بالتزامن مع استمرار تل أبيب في سياسة الضغوط القصوي بتكثيف العمليات العسكرية والإنذارات اليومية لإخلاء أحياء سكنية في غزة ، تراجع “نتنياهو” عن تعيين رئيس جديد لـ”الشاباك” علي خلفية ضغوط سياسية علي رئيس الحكومة من جانب مسئولين في معسكر “اليمين” بالتراجع عن تعيين “إيلي شارفيت”، بسبب مشاركته السابقة في احتجاجات ضد خطة “الإصلاحات القضائية” عام 2023، فضلاً عن تحفّظ أمريكي علي التعيين حيث حذّر “ليندسي غراهام”، السيناتور الجمهوري، من أن تعيين “شارفيت” سيثير إشكالية بالغة في وقت حرج، على خلفية انتقاداته السابقة لسياسات “ترامب” في ملف المناخ، وتشير تقديرات إلي أن نتنياهو لن يقدم علي خطوة تثير إستياء ترامب لضمان إستمرار غض الطرف عن سياسات نتنياهو في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، علماً بأن مخططات التهجير لا تقتصر فقط علي غزة وإنما تتم أيضاً في الأراضي السورية بإحتلال القوات الإسرائيلية ١١ بلدة وقرية بعد إجتياح المناطق العازلة بالتوغل المستمر وتدمير البني التحتية ومنع السكان من الوصول إلي أراضيهم .
تعقيباً علي تلك التطورات ، أشارت تقارير إعلامية إلى أن “نتنياهو” كان على علم مُسبق بمواقف “شارفيت” السياسية، لكنه اعتبره “الخيار الأنسب” ضمن قائمة المرشحين المتاحين، وذهبت انتقادات المعارضة في تل أبيب إلي حد وصف شخصيات معارِضة قرار التراجع بأنه “ضربة لأمن إسرائيل”، وانعكاس لتغليب الحسابات السياسية على المصلحة العامة، وتباينت التقديرات السياسية بين تأكيد مقربون من “نتنياهو” أنه لم يحسم بعد اسم المُرشح الجديد لرئاسة “الشاباك”، في حين رجّحت مصادر أخرى أن التراجع عن تعيين “شارفيت” مجرد “حيلة تكتيكية” لتمهيد الطريق أمام مرشّح بديل.
سبق أن أعلن مكتب “نتنياهو” تعيين اللواء (احتياط) “إيلي شارفيت” رئيسًا جديدًا لجهاز “الشاباك” بعد مقابلات مع سبعة مرشّحين لشغل هذا المنصب ، ووصفت وسائل الإعلام ذلك التعيين بأنه خطوة استثنائية وغير مسبوق، إذ إنها المرة الأولى منذ سنوات يُختار فيها رئيس لـ”الشاباك” من خارج الجهاز، ويلاحظ في هذا السياق أن التعيين جاء في ظل وضع قانوني معقّد وقبل جلسة المحكمة العليا المقررة في 8 إبريل المقبل للنظر في قرار إقالة “رونين بار”، رئيس الجهاز السابق.
وفيما يمكن إعتباره صدمة داخل الأوساط الحكومية ، فقد عبر مسؤولون أمنيون عن مخاوفهم من أن يعكس هذا التعيين انعدام الثقة في جهاز “الشاباك”، وجاءت ردود الأفعال السياسية متباينة ، وفي حين أشاد سياسيون بخبرة “شارفيت” العسكرية، إنتقد آخرون تعيينه لافتقاره إلى أي خلفية استخباراتية ( سبق أن تولي منصب قائد البحرية ) ، بالتوازي مع تحذيرات من أن “شارفيت” قد يحتاج وقتًا طويلًا لفهم آلية عمل “الشاباك” نظرًا لتنوّع مهام الجهاز في التقصي الأمني ومكافحة الإرهاب وحماية مؤسسات الدولة.
تواكبت التطورات الداخلية في تل أبيب مع تصعيد تركي-إسرائيلي وتلويح بالمواجهة في سوريا ، حيث وصف “إيلي كوهين”، وزير الطاقة الإسرائيلي، الرئيس التركي بأنه مُعادي للسامية وأن نظامه لن يستمر طويلًا، وتفاعلت وسائل الإعلامية في تل أبيب مع هذا التلاسن حيث أفادت “القناة 12” العبرية أن “نتنياهو” وجّه مستشاريه ووسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على “التهديد التركي” في سوريا، والترويج لسردية أن المواجهة العسكرية باتت “حتمية” ، فيما جاء الرد التركي واصفاً تصريحات الوزير الإسرائيلي بأنها “وقحة”، واعتبرت أنها تصريحات تخاطب – الداخل والخارج – إذ تهدف للتغطية على “جرائم نتنياهو”، وحذرت الخارجية التركية أن هذه التصريحات تعزز المخاوف بشأن تسريع الإبادة في غزة وزعزعة استقرار المنطقة.
والملفت للإنتباه أن العاصمتين تل أبيب وأنقرة تشهدا إحتجاجات داخلية علي نطاق واسع ، وفي نفس الوقت بينهما تنافس حاد علي تحقيق منافع ومكاسب إقليمية في ظل الإستقطاب الجيو – سياسي الجاري في الشرق الأوسط ، ومن أبرز التحليلات ما أشار إليه د.أحمد الباز ( المتخصص في الشؤون الإستراتيجية الدولية ) بأن أنقرة تُدرك أن تل أبيب ستستخدم أي توسع للتواجد العسكري التركي كمبرر لتوسيع مساحة التوغل العسكري الإسرائيلي في سوريا .