لا يوجد عقل بشري في عصر الذكاء الإصطناعي لديه قدرة علي تحمل أرقام الخسائر الإقتصادية الإجمالية في سوريا والتي تجاوزت منذ حراك ٢٠١١ ما يُقدر بـ٦٠٠ مليار دولار ، وأشارت إحد التقارير الدولية إلي أن تكاليف إعادة التعمير والبنية التحتية تُقدر بـ١٢٠ مليار دولار علي الأقل، علماً بأن إقتصاد سوريا كان متميز في قدرته علي توظيف الزراعة للاستهلاك المحلي والتصدير ولكن الأراضي الزراعية قد تضررت وزادت ندرة المياة والأسمدة فتراجع الإنتاج الزراعي بنسبة ٦٠٪ عما كان قبل الحرب، وتسارع الأحداث السياسية والميدانية في الأراضي السورية بما يضيف خسائر جديدة وتعميق الأضرار الإقتصادية ( تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٧٠٪ منذ حراك ٢٠١١) ، وفرض الحدث السوري نفسه علي الجميع نظراً للمتابعة والرصد من جانب كل وسائل الإعلام الدولية والإقليمية ، والتي لعب العديد منها أدواراً سلبية في مضاعفة وتيرة تحركات الفصائل ( حققت إنجازات فاجأت أنصارها قبل أعدائها بالسيطرة علي حلب ودخول حماة الاستراتيجيتيين) ، وبث روح سلبية أثرت علي الثقة في صمود مؤسسات الدولة أمام حراك عسكري يضم مسلحين من جنسيات أجنبية – تتمدد جغرافياً وميدانياً – في مشهد مرتبك يفتح كافة الإحتمالات في منطقة الشرق الأوسط ويمثل مخاطر متعددة علي فكرة الدولة المركزية ، وفي الوقت ذاته يعيد خريطة التحالفات الإقليمية والدولية ولا يستثني منها تبديل الأدوار بين بلاد فارس والدولة العثمانية .
ومن الإسئلة التي تدور في بال المتابعين للمشهد السياسي السوري وتأثيراته المَحتملة علي واقع ومستقبل دول المنطقة ، هل كان السقوط المدوي مفاجأة !؟ هل كان المشهد السوري إحدي جولات كسر العظام لإضعاف النفوذ الإيراني !؟ هل تخلت موسكو عن دعم دمشق !؟
مع التسليم بمشروعية التساؤلات وأهمية الأجوبة إلا أن الأهم في المرحلة المقبلة معادلة الإصطفاف وما تستتبعه من أدوار وظيفية، فالفراغ الذي ينتج عن سقوط دمشق في براثن جماعات مسلحة وإنزواء الجيش النظامي سيتيح خيارات صعبة ودقيقة أمام الجميع ، ولا يفوتنا التذكير بأن الجماعات الأصولية والأيديولوجية جماعات وظيفية، وواشنطن – أياً كان هوي ولون الإدارة جمهوري أو ديمقراطي – تعتمد استراتيجية ‘ الميليشات الحاكمة ‘ وتمنحها الشرعية السياسية المُغلفة بالصبغة ( الإطار الوطني ) بهدف تفتيت الدول العربية
ما سبق يعني ببساطة أن موطن الرُسُل والأنبياء بتنتقل من مرحلة وكلاء طهران ( موسكو ) إلي وكلاء واشنطن ( أنقرة )، والتركيز علي تقييم المكونات الفكرية والتنظيمية لهيئة تحرير الشام ( جبهة النُصرة سابقاً ) يظهر لنا دورها الوظيفي في الداخل السوري علي مدار السنوات القليلة الماضية ، وتلقي عناصرها تدريبات علي أيدي عناصر أجنبية في شرق آسيا وحصولها علي مسيرات إنتحارية ، وما يلفت الإنتباه أيضاً تغيير نمط الخطاب الإعلامي والظهور بملابس عصرية وأنهم يدافعون عن الأقليات الدينية ( إعادة إفتتاح كنيسة في قرية اليعقوبية ) ، ونُذكِر هنا بتقرير مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية الذي أشار إلي أن نزوح ‘ الجولاني ‘ نحو المشروع السياسي المُغلف بالإطار الوطني رغبة في الاستمرارية والبقاء ( من خلال تدشين حكومة الإنقاذ ) يتماشي مع صعود حركة طالبان ( أفغانستان ) سياسياً ويتوافق أيضاً مع الأجندة الغربية التي تجيد صناعة الوكلاء استناداً إلي إستراتيجية ( الميليشيات الحاكمة ) .
في السياق ذاته، يتحسب الباحث في الشؤون الدولية (د.أحمد الباز ) من سيطرة التيارات الجهادية علي توجية أو التأثير علي مستقبل المشهد السياسي في سوريا ويتطلع – علي صفحته بالفيسبوك – إلي إدراك التيارات المدنية مبكراً هذه المخاطر لضمان تقليل حدة الإستقطابات الإيديولوجية والتصنيفات ، التي من المتوقع أن يشهدها المجتمع السوري ، ويدعو أيضاً إلي أهمية الحفاظ علي اللبنة الرئيسية للجيش السوري ( العمق التاريخي لفكرة الجيش الوطني ) وينبه في الوقت ذاته لأهمية الإستفادة من دروس التجربة العراقية .