في عالم الأعمال المُتغير باستمرار، يُعدّ “فشل تنفيذ الاستراتيجيات” هاجسًا يُقلق العديد من الشركات، تُبذل الجهود وتُخصص الموارد الضخمة لوضع خُططٍ مُحكمة، بينما تظل النتائج دون التوقعات، ممّا يُؤدي إلى خسائر فادحة وخروج من ميدان المنافسة، وتُجسد شركة نوكيا أحد الأمثلة الشهيرة على تلك الظاهرة، حيث كانت تُحلق في سماءِ صناعة الهواتف المحمولة كرائدة لا مثيل لها، قبل أن تُواجه فشلًا ذريعًا في تنفيذ إستراتيجيتها، مما أدى إلى انهيارها وخسارتها حصةً ضخمةً من السوق.
كما واجهت شركة بلاكبيري، التي كانت رائدة في مجال الهواتف الذكية في وقت مبكر، مصيرًا مشابهًا لنوكيا، فقد فشلت الشركة في التكيف مع التطورات السريعة في السوق، أيضًا مما أدى إلى خسارتها حصة كبيرة في السوق، وشركة ياهو فشلت في الاستثمار في منصات الإنترنت الجديدة، مثل محركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تراجع مكانتها في السوق.
ولم تكن شركة كوداك، التي كانت رائدة في مجال التصوير الفوتوغرافي، بعيدة عن فخ الفشل في تنفيذ إستراتيجيتها بشكل فعال، حيث لم تواكب التطورات التكنولوجيا في التكيف مع ظهور التصوير الرقمي، وركزت على أفلام التصوير الفوتوغرافي بدلاً من الاستثمار في تقنيات التصوير الرقمي مما أدى إلى إفلاسها في النهاية.
وهكذا، يُواجه تنفيذ الإستراتيجيات تحديات هائلة تُعيق مسيرة العديد من الشركات، مما يُلقي بظلاله الوخيمة على نتائجها، وعلى الجانب الآخر، تُبهرنا شركات بنجاحها في تطبيق إستراتيجياتها، وأبرز مثال على ذلك شركة أمازون.
فقد اتبعت أمازون نهجًا إستراتيجيًا ذكيًا يُعلي احتياجات العملاء على رأس أولوياته، وذلك من خلال توفير تشكيلة واسعة من المنتجات بأسعارٍ تنافسية، إلى جانب ابتكاراتها المُستمرة في مجال التجارة الإلكترونية، وقد أثمرت هذه الإستراتيجية المُتميزة عن تحول أمازون إلى أكبر متجرٍ إلكتروني على مستوى العالم، مع قاعدة عملاء ضخمة وحصولها على نمو مُستدام في الإيرادات.
كما حققت شركة جوجل الريادة؛ كمحرك بحث بفضل إستراتيجيتها التي تركيز على الابتكار في مجال التكنولوجيا، وتطوير منتجات وخدمات جديدة، وجمع البيانات وتحليلها لفهم احتياجات العملاء بشكل أفضل، مما حقق لها النجاح، وأصبحت جوجل شركة التكنولوجيا الرائدة في العالم، مع مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات التي يستخدمها مليارات الأشخاص حول العالم.
وسيطرت شركة علي بابا على مشهد التجارة الإلكترونية في الصين كأكبر شركة في مجالها، وذلك بفضل تطبيقها المُحكم لإستراتيجيتها الرائدة، فقد أقامت منصة واسعة تُتيح التواصل والتفاعل بين البائعين والمشترين من جميع أنحاء العالم، بينما حافظت مايكروسوفت على صدارتها في مجال البرمجيات بفضل قدرتها الفائقة على التكيف مع التغيرات المتسارعة في التكنولوجيا، وتقديمها حلولًا مبتكرة تُلبي متطلبات المستهلكين المتغيرة.
وهكذا بفضل الرؤية الواضحة والإستراتيجية المُحددة، تمكنت هذه الشركات من تجنب فخ فشل تنفيذ الإستراتيجيات، لتصبح رائدة في مجالها، وقد حققت ذلك من خلال اتباع نهج شامل يجمع بين التخطيط الدقيق، والتواصل الفعال، وإدارة التغيير، والقياس المستمر.
كما تكشف مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” عن الأسباب الحقيقية وراء فشل الشركات في تنفيذ الإستراتيجيات، وتقدم مفهومًا جديدًا لتحقيق النجاح من خلال التأكيد على أن الأهداف ليست استراتيجيات بحدّ ذاتها.
فقد يخلط البعض بين الأهداف والإستراتيجيات، فالأهداف غايات نسعى إلى تحقيقها، بينما الإستراتيجيات هي مجموعة من الخيارات الواضحة تُحدد مسار العمل لتحقيق تلك الأهداف، فعلى سبيل المثال عبارة “نريد أن نكون رقم واحد أو رقم اثنين في جميع الأسواق التي نعمل فيها” ليست إستراتيجية، بل هي هدف، ولا تُخبرنا هذه العبارة بما سنفعله لتحقيق هذا الهدف، بل تُخبرنا فقط بما نرغب في تحقيقه، لذا لابد من صياغة إستراتيجيات واضحة تتضمن خيارات مُحددة حول ما ستفعله الشركة وما لن تفعله.
يُشير المقال إلى أن تنفيذ الإستراتيجية عملية تشاركية وليست أحادية الاتجاه، ففي حين كانت النظرة التقليدية تُعتبره مسؤوليةً تقع على عاتق الإدارة العليا فقط، حيث تضع الخطط وتُناط مهمة التنفيذ بالمُوظفين، إلا أن الواقع يُظهر أن مشاركة جميع أفراد المنظمة، من كبار المديرين إلى الموظفين في أدنى المستويات الإدارية، ضرورية لنجاح أي إستراتيجية، كما يجب توفير التدريب والدعم اللازمين للموظفين لضمان فهمهم للاستراتيجية وقدرتهم على تنفيذها بفعالية.
وتؤكد “هارفارد بزنس ريفيو” أن الإستراتيجية ليست وثيقة جامدة بل هي عملية ديناميكية مستمرة تتكيف مع التغيرات المتسارعة في العالم، لذا تتطلب الإستراتيجية الناجحة مراجعة وتعديل لضمان مواكبتها للتطورات، كما يجب قياس وتقييم تقدم تنفيذها بانتظام وإجراء التعديلات اللازمة، ونتيجة لذلك، يجب أن تكون الشركات مستعدة للتكيف مع التحولات في السوق والبيئة لضمان استمرار نجاحها.
كما يُعدّ سد الفجوة بين الإستراتيجية والتنفيذ أمرًا بالغ الأهمية لضمان نجاحها على أرض الواقع، ولتحقيق ذلك، يجب على الإدارة العليا مشاركة الإستراتيجية مع جميع أفراد المنظمة بشكل واضح وفعال، إن تنفيذ الإستراتيجيات بنجاح يتطلب جهدًا مستمرًا والتزامًا من جميع أعضاء الفريق.
ولا يقتصر النجاح على مجرد تدوين الخُطط على الورق، بل يتطلب رحلة جادة تبدأ بتحديد أهداف واقعية قابلة للتحقيق، ووضع إستراتيجيات محكمة قابلة للتنفيذ، إن فشل تنفيذ الإستراتيجيات ليس قدرًا محتومًا، بل يمكن تجنبه من خلال اتباع الخطوات الصحيحة والممارسات الفعالة.
كما تُعد القيادة ركيزة أساسية في تحويل الخطط والأفكار إلى واقع ملموس على الأرض، فهي التي تُحفز وتُوجه الموظفين نحو تحقيق الأهداف المرجوة، ولكن، لا ينبغي إغفال دور العوامل الخارجية التي قد تُعيق تنفيذ الإستراتيجيات، وذلك لقدرتها على تغيير الظروف المحيطة بالمنظمة بشكل مفاجئ وغير متوقع، لذا فإنه وجود نظام لقياس التقدم في تنفيذ الإستراتيجية أمرًا بالغ الأهمية لتحديد مدى نجاحها، وتقييم فعالية الخُطط المُعتمدة، وإجراء التعديلات اللازمة لضمان استمرارها في تحقيق أهدافها.
الدكتورة هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة