شهدت قاعة الاحتفالات الكبرى جامعة القاهرة، تحت رعاية الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ندوة فكرية مشتركة للدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، والدكتور محمد عثمان الخشت رئيس الجامعة، بعنوان “الوسطية والخطاب الديني”، وذلك بالتعاون مع اتحاد طلاب جامعة القاهرة، وطلاب من أجل مصر، وبحضور نواب رئيس الجامعة وعمداء الكليات ووكلائها، والدكتورة جيهان المنياوي منسق عام أسرة من أجل مصر بجامعة القاهرة وعدد من الأساتذة والعاملين والطلاب.
ندوة فكرية مشتركة لرئيس جامعة القاهرة ومفتي الجمهورية حول الوسطية والخطاب الديني
وتناول الخشت، خلال الندوة، موضوع الوسطية والخطاب الديني من خلال عدة محاور أساسية، أهمها ظاهرتا الإلحاد والانتحار وهل يمثلان وسطا بين طرفين، والوسطية في الإسلام، والوسطية وخيرية الأمة، والوسطية والتراث، والوحي والتراث، والوسطية في الفن، ومعالم الخطاب الديني الجديد.
وقال الخشت، إن ندوة اليوم تمثل ندوة في قلب الحدث ومعترك الأفكار حول الوسطية والخطاب الديني بين الثابت والمتغير، كما أنها ندوة توضح طبيعة الفكر الصحيح الذي يتوافق ويتسق مع الثوابت والأصول والوحي الكريم والقرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، مشيرًا إلى أن هذه الندوة توضح للطلاب الطريق في قلب هذا المعترك الفكري الذي تم التشويش فيه من جماعات التطرف والإرهاب والطابور الخامس والذين قد يروجون بالخطأ إلى أننا نريد تطوير الدين نفسه، مؤكدًا أن الدين نفسه صالح لكل زمان ومكان، والحديث عن تطوير الخطاب الديني متعلق بالخطاب البشري الذي قد يقوله العلماء ويمكن أن يصيب أو يخطئ وقد يناسب زمانا دون الآخر حيث يتغير حسب تغير العصور في حين أن القرآن يصلح لكل العصور.
وأكد الخشت، أن المعيار الصحيح لنا هو الوحي الكريم وما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالتالي يوجد فرق جذري وجوهره وعميق بين الدين والخطاب الديني، موضحا أن الدين يتمثل في الوحي الكريم والسنة النبوية المتواترة والثابت عن الرسول، وهو ما لا يتم الاقتراب منه، لافتا إلى أن الخطاب الديني البشري هو المقصود والذي يمثل كلام الدارسين وعلماء الدين ، وهو كلام بشري قابل للتغيير، مؤكدا أن هذا ليس دينا ولكنه طريقة فهم الدين، حيث أن الدين اكتمل بالوحي والقرآن الكريم وهو ما يمثل كلمة الله المبينة بالسنة النبوية المتواترة وهو ولا يتطور، مؤكدا أننا في قلب الثوابت وأصول الدين ومتمسكون بها بإعتبارها محور الإيمان القائم عليه معتقداتنا.
وأشار الخشت، إلى أن أهم معيار للفهم البشري للدين هو معيار الوسطية، مؤكدا ضرورة الإبتعاد عن الأفكار الصادرة من أعداء الوطن والهادفة إلى خلق الطاقة السلبية وانتشار ظواهر الانتحار والالحاد والاكتئاب والأمراض النفسية والتي ترتبط كلها ببعض، لافتًا إلى أن التطرف والتشدد أحد أهم اسباب انتشار ظاهرة الانتحار، مؤكدا أن المسلم الخق اذا اغلقت أمامه كل أبواب الدنيا سيظل يؤمن بقدرة الله تعالى على مساعدته وإيجاد الحلول له.
وأضاف رئيس جامعة القاهرة، أن كلمة الوسطية متغيرة ويستخدمها الكثيرون وتمثل معيارا يتم الاستناد إليه في تقييم مختلف الأمور وهى نسبية ومتغيرة، حيث أن الوسط بلغة الفلاسفة يمثل الوسط الذهبي، مقدما العديد من الأمثلة على كون الفضيلة تقع بين رذيلتين مثل الكرم الذي يقع بين البخل والإسراف، مؤكدًا أن هذا مختلفا عن الوسطية التاريخية فما يمثل وسطا في عصر قد لا يمثل وسطا في عصر آخر، مشيرا إلى أنه قديما وجدت فرق فكرية مختلفة مثل المعتزلة والشيعة والجهمية.
وأكد الخشت، أننا نحتاج إلى تيار فكري وسطي جديد بين مختلف الأطراف المتصارعة، ولابد أن تكون الوسطية الجديدة قائمة على كل من الثوابت المتمثلة في الدين والوطن بالإضافة إلى العقلانية والتي تمثل ما تم تعلمه من خلال العلوم الأساسية، ويحدد مسارها البحث العلمي الذي ينتج عنه كل من الدليل والبرهان، لافتا إلى أن كل أعداء الوطن والمشككين يهدفون إلى هدم الدولة الوطنية وكل من الجيش والشرطة واللذين لايقتصر دورهما على حماية الأرض فقط بل يمتد للحفاظ على الموروث الحضاري والقيم والتقاليد المتوارثة عبر التاريخ، مشيرًا إلى أن الرسالة الأساسية تتمثل في كون الوسطية مرتبطة بالدين والثواب والمتغيرات، كما أن الوسطية ترتبط بالأمن الاجتماعي والثقافي للبلاد.
وتابع الخشت، أن من يلجأ إلى الانتحار يعد شخصية ضعيفة وهشة، مؤكدًا أن الأمر لا يتعلق بالضغوط الاجتماعية فقط بل قد يرتبط بضغوط وعوامل أخرى، مؤكدًا ضرورة التحلي بالقوة حيث يرتبط الإيمان بقوة النفس، وأن الإنسان كما ينتمي لأسرته ووطنه ينتمي أيضًا لدينه ودوائر أوسع تتمثل في دائرة الإنسانية.
وأكد الخشت، أهمية الوسطية وشق طريق جديد لها، في مختلف جوانب الحياة سواء الدين أو الاقتصاد أو غيرها.
من جانبه، قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إن جامعة القاهرة العريقة لها قدم راسخة بين مختلف جامعات العالم أجمع وهو ما يدعو أي إنسان يتحدث بها ومن خلالها إلى الفخر بها.
وأشاد علام، باختيار رئيس جامعة القاهرة لموضوع ندوة اليوم والذي ينطوي على درجة كبيرة من الأهمية للتعبير عن الوسطية في الدين والتي غابت كثيرًا عن البعض بما يخلق العديد من الإشكاليات، مؤكدًا أن الوسطية هى العنوان الحقيقي للدين الإسلامي، وضرورة أن يجعل المسلمين الوسطية عنوانا لهم وهو ما يتحقق عند تطبيق الوحي الإلهي تطبيقا صحيحًا يراعي الثوابت ويحرص عليها ويتمسك بها ويقف عندها ولا يتلاعب فيها، انطلاقًا من أن هذه الثوابت لا تتغير بتغير الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص أو الأحوال، مشيرًا إلى أن الثابت هو مصطلح ثابت سيظل ثابتا حتى قيام الساعة، ويترتب عليه تهذيب النفس الإنسانية ليصبح الإنسان حضاري يبني ويشارك مع الآخرين يهتم بالوصول إلى المنفعة العامة والوصول إلى الحقيقة.
وأوضح علام، أن التعدد يتمثل في قبول أمر الله وتطبيقه كما أمر بما يخلق حالة من الطمأنينة والتسليم لله وحده وليس لفرد، مؤكدًا أن الإنسان وجد في الأرض لمهمة خاصة وتكليف بأن يكون مشاركا ومعمرا ومساهما مع الآخرين.
وأكد مفتي الجمهورية، أن الشريعة تشمل أمرين أساسيين هما القرآن والسنة النبوية وهما يمثلان الثابت، وهنا يجب الحفاظ على الثابت وعدم المساس به، مع النظر إلى المتغير ومحاولة ملاءمته لمعطيات العصر، لافتا إلى أن الإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر وهو ما يمثل مسارات لا يمكن التعديل فيها، حيث إن قضايا الإيمان اليقينية والعبادات والفرائض من الثوابت والأركان الثابتة ولها نصوص واضحة في القرآن ولا تتعدل في يوم من الأيام.
وأوضح علام، أن الثابت قطعا له دلالة قطعية، بينما يمثل المتغير منطقة واسعة مثل المعاملات والقوانين التي يحكمها متغيرات يمكن أن تتطور وتتغير مع تغير الزمان والمكان، مشيرا إلى أن الإنسان ليس ملزما بالعيش في إطار أحكام الزمن الماضي والأحكام الفقهية والفتاوى بنظرات سابقة عن الزمان، مؤكدًا أن الحقيقة تتمثل في فهم النص الشرعي ودلالاته، وضرورة تأهيل المتحدثين في أمور الدين ومن يصدرون الأحكام والتأكيد على عدم نقل الثابت في دائرة المتغير أو العكس وهو ما يعد خطأ شرعيًا ومنهجيًا، لأن الثابت قطعي لا يجوز المخالفة فيه، مشيرًا إلى ضرورة الحفاظ على الثابت وعدم المساس به مع مراعاة المتغير وإعادة النظر فيه وذلك في إطار الوسطية وعدم التشدد.
ولفت علام، إلى أن الدنيا تتغير وتشهد تطورًا تكنولوجيا سواء ماديًا أو عقليا، وبالتالي نجد أننا أمام زمن مختلف تماما لا يوجد أي شبه بينه وبين الماضي، كما أننا في عصر تفاعل أفكار تتيح القدرة على فلترة الأفكار وغربلتها.
وأضاف مفتي الجمهورية، أن العنصر الأول في الخطاب الديني يتمثل في إدراك النصوص الشرعية بشكل صحيح، ثم فهم الواقع بمتغيراته بشكل صحيح ودقيق مع مراعاة المتغيرات الحادثة، يليه تطبيق ما تم فهمه من النصوص الشرعية على الواقع المتغير، مؤكدا أن الكسلم البسيط الذى لا يمتلك العلم الكافي يجب أن يحافظ على الثوابت ويتجه إلى المتخصصين والعلماء للحصول على المعلومة الصحيحة، وألا يترك نفسه فريسة لعناصر مغالطة، مؤكدا أن الجامعة تنمي العقل وتطرح الأفكار وتناقشها.