لا طالما ارتبطت مصر بعلاقات وطيدة مع فرنسا في شتى المجالات، وبخاصةً في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك بهدف تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، حيث تمتد جذور هذه العلاقة إلى عصر محمد علي وإيفاد البعثات التعليمية إلى فرنسا، وهي الخطوة التي وضعت حجر الأساس لمصر الحديثة، كما مهدت لما بعدها من تاريخ حافل بالإنجازات والشراكات بين الجانبين المصري والفرنسي.
ويستعرض لكم “صدى البلد جامعات” تطور العلاقات التي ربطت بين مصر وفرنسا في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي في السنوات الماضية والتي ارتكزت على أسس متينة من التعاون المشترك.
تاريخ العلاقات المصرية الفرنسية في مجال التعليم العالي
تمتد جذور العلاقة بين مصر وفرنسا في مجال التعليم إلى عصر محمد علي، حيث إرسال البعثات التعليمية إلى فرنسا لدراسة العلوم والتخصصات المختلفة ومن ثم توظيفها بما يخدم أبناء مصر، ولكن توطدت العلاقة بشكل كبير بين البلدين منذ أكثر من 100 عام تقريبًا، فتم إنشاء المدارس الفرنسية والمراكز الثقافية التابعة للقنصليات، والتي تمثلت مهمتها الأساسية في إتاحة الفرصة للطلاب المصريين لتعلم اللغة الفرنسية والتعرف على مظاهر الحياة والثقافة الفرنسية.
كما شهد التعاون التعليمي والثقافي بين البلدين تطورًا ملحوظًا خلال فترة الخمسينات، فامتلكت مصر ما يقرب من 150 مدرسة فرنسية، كما امتلكت كانت كل جامعة من جامعات مصر الثلاث، كرسي للأدب الفرنسي، واستمر هذا التطور حتى الآن، فهناك آلاف الطلاب يدرسون فى حوالى 13 شعبة لغة فرنسية فى العديد من الجامعات بمصر، إضافةً إلى الآلاف من الدارسين فى المعهد الفرنسى بمصر، وحوالى 2000 دارس مصرى فى فرنسا.
وتمثلت آخر الشراكات المنعقدة بين الجامعات المصرية والفرنسية، في توقيع الدكتور عصام الكردي، رئيس جامعة العلمين الدولية، ودكتور إيرك كاربانو، رئيس جامعة ليون 3 الفرنسية، بداية الشهر الجاري، اتفاقية شراكة بين الجامعتين، وبموجبها يتم منح درجات وشهادات مشتركة ومزدوجة بين الجامعتين بتقديم برامج جامعة ليون 3 بجامعة العلمين الدولية.
الجامعة الفرنسية في مصر
وفي عهد الرئيسين الراحلين محمد حسني مبارك ونظيره الفرنسي جاك شيراك، أخذت العلاقة بين مصر وفرنسا منعطفًا جديدًا، وذلك بعد تأسيس مبنى الجامعة الفرنسية في مصر بمقتضى القرار الجمهوري رقم 26 الصادر في 11 فبراير 2002، لتبدأ الجامعة في فتح أبوابها للطلاب رسميًا عام 2006، تحت إشراف من وزارتي التعليم العالي المصرية والفرنسية.
وتمتلك الجامعة الفرنسية في مصر، 3 كليات هم: الهندسة، والإدارة ونظم المعلومات، واللغات التطبيقية، ولكن لا بد من إتقان المتقدمين لكل من اللغة الفرنسية والعربية والإنجليزية، وذلك بهدف تطبيق معرفتهم اللغوية والمنهجية في مجالات متنوعة مثل الاتصالات والتسويق والمحاسبة والمالية والموارد البشرية ومجال المفاوضات التجارية الدولية.
كما تميزت الجامعة الفرنسية في مصر، بتوفيرها تعليم ذو جودة عالمية على الأراضي المصرية، حيث تعقد الجامعة شراكات مع العديد من الجامعات الفرنسية الشهيرة، ليتم منح الطلاب شهادة مزدوجة بعد إتمام الدراسة إحداهما مصرية والأخرى فرنسية، مثل: شهادة الليسانس من جامعة السوربون الجديدة (باريس 3)، وفي اللغات التطبيقية وشهادة الإدارة أو الإدارة التطبيقية للحاسب الآلي من جامعة نانت، وشهادة الماجستير من جامعات : بيير ومارى كوري (باريس 6) و بول ساباتييه في تولوز، وماجستير في الهندسة من جامعة هوت الزاس وكورس.
وفي إطار حرص الجامعة على تقديم تجربة تعليمية مميزة لطلابها، تتكون هيئة التدريس في الجامعة من أساتذة مصريين وفرنسيين، لتحقيق مبدأ التكامل في المناهج الدراسية المقدمة، كما اعتمدت الجامعة منذ نشأتها على تقليل الكثافة الطلابية في المحاضرات، وكذا استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تصب في النهاية في مصلحة الطلاب، وتضمن قدرتهم الحقيقية على المنافسة في سوق العمل المحلي والعالمي.
منح دراسية لدعم شباب الباحثين المصريين
وانطلاقًا من أهمية دعم البحث العلمي والابتكار، تم توقيع اتفاقية جديدة للتعاون بين مصر وفرنسا في مجال البحث العلمى، عام 2014، حيث يوقع صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية التابع للوزارة، برنامج منح تمويل مشترك مع الجانب الفرنسى، حيث تقوم الحكومة الفرنسية بموجبه بدعم شباب الباحثين المصريين بمنح ما بعد الدكتوراه بحوالى 200 ألف يورو سنويًا أي تغطية 50% من تكلفة البرنامج، كما يقدم مركز البحوث والتطوير الفرنسي منحة لدعم بعض الدراسات والأبحاث الخاصة بالمياه.
قفزة ملحوظة للعلاقات بين مصر وفرنسا في عهد السيسي
وفي يناير عام 2019، وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتفاقية إعادة تأسيس الجامعة الفرنسية في مصر، وتنص الاتفاقية التي تستمر لمدة 10 سنوات، أن الجامعة الفرنسية هي جامعة أهلية لا تهدف إلى الربح، وتخضع للمسئولية الأكاديمية المزدوجة ولإشراف وزيري التعليم العالي المصري والفرنسي.
وتشمل إعادة تأسيس الجامعة، وضع برنامج شامل لتطويرها من خلال توسيع المباني وتحديث المناهج والمعامل، واستحداث تخصصات دراسية جديدة والتسويق لها لجذب الطلاب المصريين، حيث صدق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى على تخصيص 30 فدانًا لإعادة تأهيل الجامعة الفرنسية الأهلية فى مصر وإنشاء مقر جديد لها على أعلى مستوى من التجهيزات.
التعاون بين التعليم العالي والوكالة الجامعية الفرانكفونية
تعد الوكالة الجامعية الفرانكفونية، واحدة من أكبر مؤسسات التعليم العالي والبحث في العالم، وتضم الوكالة ما يقرب من 990 جامعة وشبكات جامعية، ومراكز بحث علمي، وتضم عضوية الوكالة حاليًا ما يقرب من 19 جامعة مصرية، منها جامعات القاهرة، وعين شمس، والمنصورة، والإسكندرية، والجامعة الفرنسية بالقاهرة، وجامعة سنجور بالإسكندرية والموجود بها مكتب للوكالة في مصر منذ عام 1992.
وفي إطار تمتين العلاقات بين الجانبين، وقعت وزارة التعليم العالى، في يونيو الماضي، اتفاقية تعاون مع الوكالة الجامعية الفرنكوفونية، لإنشاء مقر لها بجامعة القاهرة، حيث تهدف الاتفاقية إلى تنفيذ المشروعات التى تعتزم الوكالة الجامعية الفرنكفونية دعمها فى مصر، ووضع إمكانيات الوكالة لخدمة الجامعات المصرية.
ويتيح مقر الوكالة الفرانكفونية، تحقيق أهداف الاتفاقية والتي تتضمن تعزيز العلاقات مع الفرنكوفونية الدولية ورفع كفاءة الجامعات المصرية من خلال جودة التدريب والبحث العلمي والابتكار، والحوكمة الجامعية، وكذلك دعم التوظيف والإدماج المهني للخريجين خاصة عن طريق تعزيز الربط بين الجامعات والصناعة، ونشر ثقافة ريادة الأعمال، فضلًا عن ترسيخ دور الجامعات بصفتها جهة فاعلة في مجال التنمية الثقافية للمجتمعات خاصة التنمية اللغوية والثقافية.
وتأتي هذه الاتفاقية، فى إطار الاتفاقية الإطارية التى تم إبرامها بين وزارة التعليم العالى والوكالة الجامعية للفرنكفونية، والتى حرص الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى والبحث العلمى، بعد توقيعها في مايو الماضي، على تفعيلها من خلال توقيع هذه الاتفاقية التى تتيح للوكالة الجامعية للفرنكفونية أن يكون لها مقر وطنى بالقاهرة لخدمة طلاب الجامعات المصرية.
ومن الدراسة إلى التدريب العملي، افتتح الدكتور سليم خالبوس، مدير الوكالة الجامعية للفرنكوفونية (AUF) ، ورئيس جامعة سنجور الدكتور تييري فيرديل، مشروع الوظائف والتكامل المهني والابتكار وريادة الأعمال في مصر ( CIPIEE) بمقر الوكالة الفرانكفونية في الإسكندرية، حيث يهدف المشروع إلى إضفاء روح المهنية على التدريب الجامعي وريادة الأعمال الطلابية، وتهيئة الظروف للحوار بين الأوساط الأكاديمية والعالم الاجتماعي والاقتصادي، فيما يجري بالشراكة مع جامعة سنغور، جامعة الإسكندرية، والجامعة الفرنسية في مصر، وجامعة فاروس، وغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في مصر (CCIFE)، ورخصة قيادة الأعمال الدوليةIBDL.
ويعمل المشروع على توعية المجتمع الأكاديمي بمشكلة توظيف الطلاب والعمل على تطوير العلاقة بالجامعة وسوق العمل، وتوعية الجهات الفاعلة في سوق العمل بضرورة التعاون مع الجامعات وتطوير العلاقة بالشركات والجامعات.
زيارة الدكتور خالد عبد الغفار إلى فرنسا
وفي ظل جائحة كورونا التي أخذت في التفشي والانتشار عالميًا، لم تكف مصر وفرنسا عن تعزيز أواصر العلاقة بينهما، فقام الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي بزيارة إلى فرنسا في الفترة من 19 إلى 22 مايو الماضي، والتي تم خلالها إنجاز العديد من المهام المشتركة بين الجانبين، حيث تم توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية والإدارة العامة لمستشفيات باريس، حيث وقع الاتفاقية عن الجانب المصري الدكتور حسام عبدالغفار أمين المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، وعن الجانب الفرنسى فلورنس فيبر مدير العلاقات الدولية بالإدارة العامة لمستشفيات باريس.
وتهدف الاتفاقية، التى تستمر لمدة 3 سنوات، إلى توفير تدريب إضافى لأطباء المستشفيات الجامعية المصريين من خلال التدريب بالمستشفيات التابعة للإدارة العامة لمستشفيات باريس فى مجالات جراحة الكبد، أمراض الكبد، زراعة الكبد.
وخلال زيارة الدكتور خالد عبد الغفار إلى العاصمة الفرنسية باريس، وقعت السفارة المصرية بباريس عقد إنشاء بيت مصر مع وزارة التعليم العالي الفرنسية، وهو مدينة جامعية سيقيم بها الطلاب والدارسين المصريين في فرنسا على غرار البيوت الطلابية والمدن الجامعية الموجودة في فرنسا لدول عربية أخرى، وبموجب العقد تتسلم مصر بيت مصر في شهر أبريل 2023.
هذا وكانت مصر قد حصلت على الأرض المخصصة لهذا المشروع في سنوات سابقة، ولكنه توقف، ولكن بعد تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم، حرصت مصر على استكمال المشروع بهدف خدمة الطلاب المصريين في الخارج، وكان الرئيس السيسي قد وضع حجر الأساس للبيت المصري بالحرم الجامعي خلال زيارته لباريس في شهر ديسمبر2020.