نظمت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وإدارة الأعمال بالجامعة البريطانية في مصر، ندوة بعنوان ( كوفيد 19 والعالم: نقطة تحول في تطور العلاقات السياسية والإقتصادية الدولية؟) عبر الفيديو كونفرانس، برعاية الدكتور أحمد حمد رئيس الجامعة.
وأدار فاعليات الندوة الدكتورة أماني خضير رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وإدارة الأعمال بالجامعة البريطانية في مصر، وذلك بحضور الدكتورة ودودة بدران عميدة الكلية، والمتحدث الرئيسي بالندوة الأستاذة الدكتورة سالي خليفة إسحق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة البريطانية في مصر، وبمشاركة عدد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة ومدير مكتب التعاون الدولي والطلاب.
وقالت الدكتورة سالي خليفة إسحق أن عواقب جائحة كوفيد-١٩ تبدو غير مسبوقة تاريخياً مقارنة بكوارث صحية عالمية سابقة، إن لم يكن من حيث عدد الوفيات فربما فيما يتعلق بحجم الخراب اللاحق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم. كما أظهرت الأزمة الطابع الأحادي للخطوات الأولى التي اتخذتها الدول من أجل احتواء فيروس كوفيد-١٩ في مقابل تهميش العمل الجماعي الدولي بما أظهر إعلاء واضح للمصالح الوطنية بمفهومها الضيق.
وتناولت اسحق بالتحليل تأثير الأزمة على أدوار القوى الكبرى والمنظمات الدولية، وحدود تأثير الأزمة على العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية. وفي هذا السياق، أكدت أن الأزمة أثرت على صورة الولايات المتحدة عالمياً نتيجة لغياب دورها في قيادة عمل جماعي دولي من شأنه تنسيق جهود التعاون بين الأطراف الدولية المختلفة، وإندلاع الحرب الدعائية بين الولايات المتحدة والصين وهي الحرب التي ساهمت لحد كبير في تعطيل عمل المنظمات الدولية. أيضاً أثرت الأزمة على التماسك الأوروبي ووضعت علامات استفهام جديدة حول استدامة الصعود الأوروبي كقطب وحدوي قادر على التعامل مع الأزمات نتيجة لغياب أي دور أولي لمؤسسات الاتحاد في التعامل مع الأزمة في مراحلها الأولية أو في إظهار التضامن مع إيطاليا، وإن كان هذا تم تداركه لاحقاً مع تقديم الاتحاد صندوق انعاش اقتصادي ضخم يقدر ب ٧٥٠ مليار يورو وإعتذار رئيسة المفوضية الأوروبية مرتين لأيطاليا، وهو ما أكد مرة أخرى ضرورة المبادرة والقيادة الألمانية-الفرنسية (أو حتى الألمانية منفردة) لتحريك آليات العمل الأوروبي في الأزمات.
وأوضحت أستاذ العلوم السياسية بالجامعة البريطانية أن جائحة كوفيد ١٩ قد لا تنتج تأثيراً جوهرياً على هيكل النظام الدولي في أبعاده الجيوسياسية والأمنية، وإن كان من المتوقع أن تكون لها أبعاد اقتصادية هامة. فغياب دور الولايات المتحدة لم ينتج عنه استثمار أي من القوى الكبرى الأخرى هذا الفراغ لصالح استئثار دور قيادي أو الخروج بمبادرة عالمية للتعامل مع أزمة كوفيد-١٩، وهو ما يؤكد أنه ليس هناك بعد من هو جاهز ليحل محل الولايات المتحدة في قيادة عمل جماعي دولي، وتواضع مقدار القوة الناعمة التي تتمتع بها القوي الأخرى.
ومن الناحية الاقتصادية، أشارت الدكتورة سالي أسحق، يمكن أن يكون للوباء تأثير في إعطاء دفعة للصعود الآسيوي في مقابل الغرب، وهو ما يعني تعزيز اتجاه موجود بالفعل، حيث أن طبيعة السياسات الاقتصادية والمالية التي تبنتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لدعم الاقتصاد في إطار جهود احتواء تداعيات انتشار الوباء – والتي تنطوي علي زيادة ملحوظة في الديون السيادية – سيكون لها أثار متوسطة إلى طويلة الأمد. هذا في حين يمثل التعافي المبكر للصين فرصة لتبني سياسات إنعاش اقتصادي بصورة أسرع وإن كان بطيئاً نسبياً نظراً لانكماش الطلب العالمي وتأثر حركة التجارة الدولية عموماً. أيضاً، يمثل التعافي الصيني المبكر فرصة لمد المساعدات الصينية لدول صديقة حول العالم في محاولة لتعزيز نفوذها على الساحة العالمية في مقابل انكماش للدور العالمي الأمريكي والأوروبي كنتيجة للتركيز المفرط على الداخل.
وأشارت اسحق في هذا الشأن إلي أنه وبحسب بيانات البنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى فإن الاقتصاد الصين هو الأقل عرضة للانكماش تأثراً بتداعيات جائحة كوفيد-١٩، وأن الأكثر تأثراً بانكماش النمو الاقتصادي هي دول الاتحاد الأوروبي (-١٠.١٪)، تليها الولايات المتحدة (-٧.٩٪)، ثم روسيا (-٧.٦٪)، ثم اليابان (-٦.٨٪)، بينما تبقى الصين الأقل انكماشاً (-٤.٩٪)، إلي جانب أن المقارنة الإقليمية لمناطق العالم المختلفة من جهة مدى عرضتها للتأثر بالانكماش في حركة التجارة العالمية أن أمريكا الشمالية هي أكثر المناطق تأثراً من حيث الآثار السلبية على حجم صادراتها، تليها في ذلك آسيا ثم أوروبا بنسبة أقل.
وعن الوضع الروسي أكدت إسحق أن الوباء أظهر تأثرها بشكل واضح مع تراجع إقتصادها نتيجة تأثر قطاع الطاقة الذي يمثل ثلثي صادرات الدولة الروسية، وأن روسيا تحتاج إلى ٤ أضعاف من حجم حزم التحفيز التي أعلن عنها الرئيس بوتين، إلا أن هذا يتوازى مع نشاط ملحوظ في العمل الخارجي الروسي مقارنة بالاهتمام المفرط بالداخل الذي ميز القوى الغربية.