قال الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس والتقويم التربوي بكلية التربية جامعة عين شمس، إن طلاب الصف الأول بنظام البكالوريا سيواجهون خلال أسابيع قليلة قرارًا مصيريًا يتمثل في اختيار أحد المسارات الأربعة المتاحة، وهي: الطب وعلوم الحياة، والهندسة وعلوم الحاسب، والأعمال، والآداب والفنون، مؤكدًا أن هذا القرار يمثل تحديًا حقيقيًا للطلاب وأسرهم، خاصة أنه يتم للمرة الأولى في إطار نظام تعليمي جديد يعتمد على المسارات.
وأوضح شوقي أن حالة الحيرة والتردد التي يعيشها الطلاب في هذه المرحلة أمر طبيعي، لكنها تتطلب وعيًا تربويًا عند اتخاذ القرار، مشددًا على أن الاختيار العشوائي أو المتسرع قد يؤدي إلى مسار لا يتناسب مع قدرات الطالب وميوله، وهو ما ينعكس سلبًا على مستواه الدراسي ومستقبله الأكاديمي.
وأكد أستاذ علم النفس التربوي أن أول معيار يجب أن يستند إليه الطالب هو قدراته العقلية والتحصيلية المرتبطة بمقررات المسار، مشيرًا إلى أن هذه القدرات يمكن قياسها من خلال مؤشرين؛ أحدهما موضوعي يتمثل في درجات الطالب خلال السنوات السابقة في المواد المرتبطة بالمسار، والآخر ذاتي يتمثل في إحساس الطالب بقدرته الفعلية على دراسة مواد هذا المسار والاستمرار فيه.
وأضاف أن الطالب المتفوق في العلوم يُعد أكثر توافقًا مع مسار الطب وعلوم الحياة، بينما يُفضل للطالب المتميز في الرياضيات والبرمجة والذكاء الاصطناعي الالتحاق بمسار الهندسة وعلوم الحاسب، في حين يناسب مسار الآداب والفنون الطلاب المتفوقين في اللغات والدراسات الإنسانية، أما مسار الأعمال فيلائم من لديهم قدرة على التعامل مع المواد التجارية والاقتصادية.
وأشار شوقي إلى أن ميول الطالب الدراسية تمثل عنصرًا أساسيًا في الاختيار، موضحًا أن النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا عندما يدرس الطالب ما يميل إليه ويجد فيه متعة واهتمامًا، وليس فقط ما يُنظر إليه اجتماعيًا على أنه “الأفضل”.
وتطرق إلى معيار عدد الكليات المتاحة لكل مسار، لافتًا إلى أن مسار الطب وعلوم الحياة يضم العدد الأكبر من الكليات، يليه مسار الهندسة وعلوم الحاسب، ثم مسار الأعمال، وأخيرًا مسار الآداب والفنون، لكنه شدد على أن هذا المعيار لا يجب أن يكون حاسمًا بمفرده، لأن اختيار مسار لا يتوافق مع قدرات الطالب قد يؤدي في النهاية إلى الفشل في الالتحاق بأي كلية.
وأكد الدكتور تامر شوقي أن متطلبات سوق العمل يجب أن تؤخذ في الاعتبار، موضحًا أن المسارات المرتبطة بالبرمجة، والذكاء الاصطناعي، والرياضيات، والكيمياء، والأحياء تُعد الأكثر ارتباطًا بسوق العمل الحالي والمستقبلي، مقارنة بالمسارات الأخرى، مع التأكيد على أن هذا العامل لا يُغني عن مراعاة قدرات الطالب وميوله.
وحذر شوقي من مجموعة من الأخطاء الشائعة في اختيار مسار البكالوريا، أبرزها اتخاذ القرار بشكل عشوائي، أو الخضوع لرغبات الأسرة فقط، أو تقليد الزملاء، مشيرًا إلى أن كل طالب له قدراته وميوله الخاصة، ولا يجوز إسقاط تجارب الآخرين عليه.
كما دعا إلى تجنب مقارنة نظام المسارات في البكالوريا بنظام التشعيب في الثانوية العامة، موضحًا أن هناك اختلافًا جوهريًا في طبيعة الدراسة والمقررات، وأن هذه المقارنة قد تؤدي إلى تصورات خاطئة وقرارات غير دقيقة.
وأشار إلى أن نظام البكالوريا يمنح الطالب قدرًا من المرونة، حيث إن الاختلاف بين المسارات الأربعة يقتصر على ثلاثة مقررات فقط، ويمكن للطالب التحويل من مسار إلى آخر في الصف الثالث إذا اكتشف عدم توافق المسار الذي اختاره مع قدراته، وهو ما يقلل من حدة القلق المرتبط بقرار الاختيار.
واختتم الدكتور تامر شوقي حديثه بالتأكيد على أهمية التشاور مع الوالدين والمعلمين وذوي الخبرة قبل اتخاذ القرار النهائي، مشددًا على أن الاختيار الواعي المبني على أسس تربوية سليمة هو الطريق الحقيقي للنجاح الأكاديمي والمهني.













