الإسكندرية ليست مجرد مدينة؛ بل هي شاهد حي على سعي البشرية وراء المعرفة والثقافة والجمال. تأسست في عام 331 قبل الميلاد على يد الإسكندر الأكبر، وسرعان ما أصبحت منارة للحضارة، تربط بين عوالم الشرق والغرب، أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، الكلاسيكي والحديث. لقد تحدثت شوارعها وموانئها ومكتباتها وعقول أهلها دائمًا لغةً عالميةً—لغة تتجاوز الحدود واللغات والعصور.
جوهر المدينة كان دائمًا كوزموبوليتانيًا. فقد احتضنت الإسكندرية العلماء والشعراء والفلاسفة الذين رحبوا بتنوع الفكر. ترمز مكتبة الإسكندرية الكبرى، حتى في عظمتها المفقودة، إلى رغبة الإنسان في فهم الكون. لقد كانت مكانًا اجتمعت فيه العقول من كل ركن من أركان العالم المعروف—اليوناني والمصري واليهودي والفارسي—لتثبت أن المعرفة ملكٌ للبشرية جمعاء، لا لأمة أو ثقافة واحدة.
وعلى مر تاريخها الطويل، واجهت الإسكندرية الغزاة والحرائق والفيضانات، ومع ذلك بقيت صامدة، تعيد ابتكار نفسها باستمرار. تحمل أمواجها المتوسطية قصص التجارة والهجرة والحوار؛ وتردد شوارعها أصداء لغات قديمة وحديثة. كل حجر، من مقابر كوم الشقافة إلى قلعة قايتباي، يذكّرنا بأن الإسكندرية ملتقى للتجارب الإنسانية.
لطالما عكست الفنون والأدب والموسيقى في الإسكندرية روحًا عالمية. لقد جسد كفافيس ونجيب محفوظ وغيرهما من الكتاب روح المدينة ليس فقط لمصر، بل للعالم بأسره. مقاهيها وميناؤها وغروب الشمس فوق البحر المتوسط—كل هذا يخص أي شخص يبحث عن الإلهام. تعلمنا المدينة أن الجمال والفكر لا يقتصران على الحدود السياسية؛ بل إنهما ينتميان إلى الكون.
اليوم، تواجه الإسكندرية تحديات حديثة: التوسع العمراني، والتهديدات المناخية، والحفاظ على التراث الثقافي. ومع ذلك، فإن هويتها كمدينة عالمية تظل قائمة. يواصل العلماء والفنانون والمسافرون من كل دولة إيجاد معنى فيها. الإسكندرية ليست ملكًا للمصريين وحدهم، بل لكل من يعتز بالتراث الإنساني. فهي تذكرنا بأن المدينة، عندما تعكس حقًا اتساع الإنجاز البشري، لا تكون محلية فقط؛ بل كونية.
باختصار، الإسكندرية مرآة لذاكرتنا المشتركة وفضولنا وأملنا. إن السير في شوارعها يجعل المرء يشعر بالاتصال مع القصة الإنسانية بأكملها. مكتباتها ومعالمها وأمواجها ليست مصرية فقط—إنها تنتمي إلى الكون. تذكّرنا الإسكندرية بأن الحضارة والمعرفة والجمال كنوز عالمية، وأن بعض المدن—من خلال روحها وتاريخها—تتجاوز الزمان والجغرافيا لتصبح إرثًا عالميًا.









