في زمنٍ تتكاثر فيه الضوضاء وتتشابك فيه رسائل المنصّات، يطل برنامج “دولة التلاوة” كنفَسٍ نقيّ ينعش الروح، وكجسرٍ مضيء يعيد للقرآن الكريم حضوره البهيّ في الإعلام، ويقدّم لجمهور العالم الإسلامي أصواتاً ندية تصدح بآيات الله كأنها تنساب من حدائق نور.
ما أجمل أن تعيش مع القرآن الكريم، وأن تُصغي لآياته وهي تُرتَّل بقلوب خاشعة وحناجر من ذهب، تجتمع في منافسة راقية بين مواهب شابة نشأت بين يدي كتاب الله. ورغم أن البرنامج لم يتجاوز عشر حلقات، فإنه حصد انتشاراً واسعاً وارتبط به المشاهدون ارتباط المتذوّق للنفحة الروحانية التي تميّز التلاوة الحقّة.
إن “دولة التلاوة” ليس مجرد برنامج، بل هو مشروع نهضوي يعيد تشكيل الوعي لدى الشباب، يوقظ فيهم حب الإتقان، وروح الإبداع، وشرف حمل القرآن الكريم ،ففي عصر ضيعت فيه بعض المنصات على أوقات الشباب بما لافائدة فيه، يأتي هذا العمل ليعيد البوصلة إلى الاتجاه الذي يليق نحو القرآن الكريم، نحو السمو، نحو المعاني التي تُهذّب العقل وترتقي بالنفس وتضبط الجوارح.
هؤلاء الشباب الذين يعتلون منصة التلاوة في البرنامج ليسوا مجرد متسابقين، بل هم قدوات قرآنية، تتجلى في أصواتهم البركة، وفي أدائهم الهيبة، وفي حرصهم على الأصول جمال يذكرنا بقول الله تعالى “إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظون”
وقول النبي صلى الله عليه وسلم “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي”.
ولا يمكن إغفال تلك الموجة الواسعة من المتابعة من جميع أنحاء العالم الإسلامي، التي تعكس يقظة داخلية وحراكاً روحياً جميلا فحين تلتقي القلوب على القرآن، يبزغ النور من جديد، وتهدأ النفوس، مصداقاً لقوله تعالى”أَلَا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القُلُوب”.
إن “دولة التلاوة” يبعث رسالة قوية أن للأمة طاقات شابة تستحق أن تُكتشف، وأن لجمال القرآن قدرة لا تُقهر في جمع القلوب وتوحيد المشاعر. وكل موهبة تظهر عبر الشاشة هي شهادة على أن نور التلاوة ما زال متوهجاً، وأن جيلاً قرآنيّاً جديداً يتشكل، يرفع راية الإتقان، ويواصل مسيرة القرّاء العِظام.
وهكذا يبقى برنامج “دولة التلاوة” أكثر من مجرد عرض تلفزيوني؛ إنه نافذة تُطلّ منها الأمة على مستقبل مشرق، تُزينه أصوات مباركة، وقلوب صادقة، ورسالة لا تنطفئ لخدمة كتاب الله، ونشر جماله في الأرض.









