بلدٌ يختنق بخيباته ويبحث عن نفسه بين ويلات الدمار والمجازر البشرية في الفاشر ، وغيرها من مدن السودان الشقيق ،يقف السودان اليوم على حافةٍ دقيقة بين الحياة والانهيار، بين ذاكرةٍ مشبعة بالعظمة والتاريخ، وواقعٍ ملوّثٍ بالدم والانقسام.تتحول الشوارع إلى ساحات قتال، والمواطن هو الضحية دائما، وتحول الوطن إلى فكرةٍ باهتة تتآكل بين مطامع الداخل وتدخّلات الخارج.
لقد أصبح السودان نموذجًا مؤلمًا لعقوقٍ من ارتكبوا الجرائم من أبناؤه في حق أرضهم، وملعبًا مفتوحًا للخونة والعملاء الذين تقنّعوا بأقنعة الوطنية، فيما يقتاتون على أوجاع الناس ودمائهم.لم يعد السودان منهمك بالحروب فقط، بل بانعدام الإحساس بالوطن. وفقدان الانتماء من جراء حكومات متعاقبة.،وإرث من الانقسام والخذلان منذ استقلاله، لم يعرف السودان استقرارًا سياسيًا حقيقيًا، بل ظل يتنقّل بين العسكر والمدنيين في حلقةٍ مغلقة من الفشل المتوارث.كل سلطة جديدة كانت ترفع شعارات الاخلاص، لكنها سرعان ما تنغمس في صراعاتها الضيقة، فتخسر ثقة الناس، وتعيد إنتاج الأزمات ذاتها.
انشغلت النخب الحاكمة بالمكاسب و الولاءات القبلية، بينما تآكلت فكرة الدولة الوطنية، الخونة والعملاء.،يتحدثون باسم الوطن مع تراجع الدولة، تقدّم المشهد أولئك الذين يجيدون لغة الشعارات.
تسلّل الخونة إلى المشهد السياسي والإعلامي وهم يرتدون ثياب “الثوار” يتحدثون عن الحرية بألسنةٍ مأجورة، ويتاجرون بدماء الأبرياء في سبيل مصالح خارجية.
لقد تحوّل السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية على أرضٍ تئن تحت وطأة الفقر والاقتتال.
وفي غياب صوتٍ وطنيٍّ موحّد، صار القرار السوداني مرتهنًا لمكاتب الخارج لا لإرادة الداخل .
العقوق الوطني. صمتٌ يُميت أكثر من الرصاص وهروب أبناء الوطن الي خارج الحدود الي دول الجوار ،ولكن الخيانة ليست وحدها ما قتل السودان، فالعقوق الوطني هو الجرح الأعمق.ذلك العقوق الذي تجلّى في صمت النخب، وهجرة الكفاءات، واستسلام المجتمع أمام الفوضى.
فحين يهرب أصحاب العقول، ويصمت أصحاب الكلمة، يترك الوطن نهبًا للمتربصين.
لقد ترك كثير من السودانيين أرضهم تحت وطأة الخوف والفقر، لكن الفرار لم يقوي الوطن بل أضعفه.فالوطن لا يُصان بالهروب، ولا يُبنى بالصمت، بل بالمواجهة والمحاسبة والإصرار على البقاء.
ولكن مازال هناك الأمل آخر ما تبقّى من هذا الوطن ورغم كل ما يجري، لم يفقد السودان حقه في الحياة.فما زال هناك جيلٌ جديد يرفض الاستسلام، ويحلم بوطنٍ يتجاوز الدم إلى دولةٍ حقيقية تُعيد للسوداني كرامته وإنسانيته.
جيلٌ يؤمن أن الخلاص لن يأتي من السلاح، بل من المصالحة الوطنية والعدالة والمساءلة.قد يسقط الجدار، لكن ما دام في القلب وطن، فالبناء ممكن من جديد.
السودان بحاجة إلى شجاعة المواجهة ،إن خلاص السودان لن يتحقق بالشعارات ولا بالوعود، بل بشجاعة مواجهة الذات.
علي السودانيين أن يعترفوا بأن أزمتهم ليست في الحدود ولا في الجغرافيا، بل في فقدان الانتماء وتغليب المصلحة الشخصية على الوطنية.
فالسودان اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما،إما أن يواصل رحلة الانقسام والخيانة حتى يصبح مجرد ذكرى،
أو أن يواجه الحقيقة بجرأة، ويبدأ من جديد ،من ضميرٍ أبناء الوطن أن يؤمنوا أن الوطن ليس مشروعًا مؤقتًا، بل عهدًا أبديًا لا يجوز خيانته.









