أم كلثوم و صدفة غريبة حصلت لى الأسبوع الماضى ..كنت فى ندوة بقاعة الإحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة فجاءت جلستي بالشرفة الجانبية ( قاعدة ملوكى )وليس فى صحن القاعة وراحت عينى تجوب السقف نقوشه وزخارفه ، نزولاً لجدرانها وأنوارها وستائرها الحمراء ..أخذتنى التأملاًت فى جمالها وعراقتها حتى شُبه لى نغمات (انت عمرى) ترن فى أذنى.. فتمتمت قائلة ..لم يبق سوى رفع الستار لتظهر ” الست” بفستانها ومنديلها الوردى على المسرح !
بعدها بأيام أتلقى دعوة من الشاعر الكبير جمال بخيت..تحبى تحضرى حفلة للست !! قلت له هى رجعت ! قال لى آآه وهاتسمعيها فى كل مراحلها من العشرينات وحتى السبعينات فى مسرحية غنائية ( أم كلثوم ..دايبين فى صوت الست ) قلت هل هو اسم اختاره المؤلف ولا وصف لمشاعرنا كلنا !
كان (أمل حياتى) احضر لها حفلة لايف (ودارت الأيام )ودخلت مسرح الست وامضيت ليلة من( الف ليلة وليلة ) مع مجموعة شباب زى الورد جسدوا (سيرة الحب) للست (فكرونى)بحفلة الخميس الأول الشهيرة التى لم أدركها فى وقتها ورجعونى لعصرها الذهبى وكأنها( ليلة العيد ..جددت الأمل فينا) فقد استطاعت الاصوات التى غنت لها وعنها أن تنتزع الآهات التى كنا نسمعها من جمهورها فى القاعة.
صحيح “عظمة على عظمة” كان مدح خاص جداً بالست أم كلثوم ولم ينافسها فيه أحد لكن بعدما شاهدت عرض مسرحيتها “ديبين فى صوت الست ” وجدتنى استعيره واقوله لمؤلف ومنتج العرض الدكتور والشاعر مدحت العدل عظمة على عظمة يا دكتور..
شاهدت عملاً يحمل كل ملامح الجمال والعظمة ..من غناء لكلمات لتمثيل لديكور والحان فهو عرض مصرى الهوى عالمي المستوى.
ماذا فعلت يا دكتور مدحت كى تعبر بنا الزمن لنعيش اجواء ليلة الخميس مع الست من تانى ..حتى الجمهور كأنه صورة من جمهورها العظيم .. سيدات ورجال من مختلف الأعمار فى منتهى الشياكة والإنصات وحالة من الهيام والإعجاب مع انبهار بعرض كأنه أدخلنا عجلة الزمن لنرى الست بأدوات العصرالحديث ..عشنا مع العرض حياة السيدة الاسطورة بتفاصيل ابرزها “العدل ” بحرفية وذكاء وبالذات ذكائها كطفلة وكشابة وكسيدة مخضرمة تقود دفة نجاحها باقتدار وأظهر ملامح قوة شخصيتها منذ صغرها وهو ما أهلها لتكون أم كلثوم كوكب الشرق وكذلك مراحل صراعها مع منافسيها فى دولة الغناء والمبهر فى العرض بخلاف الأصوات والاستعراضات ،هى كلمات الاغانى التى كتبها دكتورمدحت لتعبرعن مشهد أوموقف بدلا من الحوار مثل حالة تنافس أم كلثوم التى أدت دورها ( صاحبة الصوت الواعد اسماء الجمل) مع موسيقارالاجيال محمد عبد الوهاب ( الذى أدى دوره بامتياز الشاب أحمد الحجار) فى انتخابات نقابة الموسيقيين فكان ديالوج غنائى تنافسى رائع بين زعيمى دولة الغناء ..وايضا الديالوج الأكثر روعة بين أم كلثوم ومنيرة المهدية التى مثلت دورها الشابة المصرية من أم ايطالية( ليديا لوتشيانو)صوت جباااار..جمعهما فى دويتو غنائى يجسد حالة الصراع على لقب سلطانة الطرب فانتزعتا من الحضورتصفيقاً حاراً..
فخامة العرض توحي إليك أنه انتاجياً متكلف جداً لكن منتجه ومؤلفه وكاتب اغانيه د.مدحت العدل يقول أن العرض كله قائم على أكتاف 45 شاب وشابة هم الذين يقومون بكل الأدوار تمثيلاً وغناءاً وأدائاً وإخراج وديكور وكل شىء من صغيره لكبيره فى العرض وهو مافسر لى التكنيك الحديث فى تغييرالديكوروالملابس أثناء الاستعراضات بسرعة خاطفة لاتكاد تلحظها لتسمع صدى صوت (عملوها ازاى ) تتكرر فى القاعة
كانت أم كلثوم يومًا “صوت مصر”، لكن هؤلاء الشباب أثبتوا أن مصرما زال لها صوت، وأن المسرح الغنائي لم يمت، بل ينتظر فقط من يؤمن به ويعطيه الدفعة وايضا من يغنيه بشغف.
دلفت الى باب الخروج من المسرح وأنا فى حالة متعة وانبهار وقلت بصوت يبدو كان مسموع أنها “عودة الروح ” فاذا بأكثرمن سيدة بجانبى يقلن صح عندك حق هى عودة الروح للمسرح الغنائى كنا مشتاقين لعمل غنائى بهذه القيمة فما أجمل العودة لأم كلثوم وللمسرح . يبدوأن “ديبين في صوت الست ” هو حالة إحياء فنى تعيد للمسرح الغنائي نبضه، وللجمهور شغفه بالخشبة الحية.
يبقى أن يصل هذا العرض الى الشباب والى طبقات المجتمع كلها فالست وفنها كان ملكاً للجميع ..فالشباب ومتوسطى الحال ومادونهم من حقهم الاستمتاع بهذا العرض الراقى. مسرح الهناجر بالأوبرا ومسرح جامعة القاهرة ومسارح قصور الثقافة من حق الناس ان ترى الابداع ..فإتاحة العرض المسرحى للمحافظات وللمسارح الشعبية ليس ترفاً بل ضرورة.












