في إطار حرص معهد تيودور بلهارس للأبحاث على مواكبة أحدث التطورات العلمية والتقنية في المجالات الطبية، وتحت رعاية الدكتور أحمد عبد العزيز مدير المعهد ورئيس مجلس الإدارة، إستضاف المعهد محاضرة علمية متميزة ألقاها الأستاذ الدكتور أشرف دهبة الأستاذ الفخري بجامعة غراتس بالنمسا، والأستاذ المشارك بالجامعة الطبية العسكرية في الصين، ومستشار التخدير بالمجلس الطبي العام في المملكة المتحدة، بعنوان:
“Artificial Intelligence in Medical Research and Health Cost Management”.
استعرض الدكتور أشرف دهبة خلال المحاضرة مراحل تطور الذكاء الاصطناعي منذ نشأته، بدءًا من رؤية الأب الروحي للذكاء الاصطناعي “آلان تورينج”، وتسمية المفهوم لأول مرة على يد “جون مكارثي” عام 1956، مرورًا بظهور أول “شات بوت” عام 1964، ثم ابتكار “جون سيرل” لغرف الدردشة المترجمة آنيًا في الثمانينيات، وصولًا إلى إطلاق روبوت “صوفيا” عام 2016، وظهور نماذج المحادثة الحديثة مثل “شات جي بي تي” عام 2020.
وأشار إلى التحديات الأخلاقية والمعرفية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، محذرًا من انتشار معلومات مخلقة أو محرفة وغير موثوقة، خاصة مع قدرة بعض النماذج الحديثة مثل GPT على تحسين إجاباتها استنادًا إلى تفاعلات المستخدم ومصادره، ما قد يؤدي إلى تضليل غير مقصود في حال غياب الرقابة العلمية.
وسلط الضوء على استخدامات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، خاصة فيما يتعلق بإدارة التكاليف الطبية، والتأمين الصحي الشامل، والتشخيص الدقيق من خلال تحليل التاريخ الطبي للمريض، وربط بيانات التحاليل والأشعة والأدوية، مما يسهم في إنقاذ الأرواح وتقديم رعاية صحية فعالة بأقل تكلفة ممكنة.
كما أوضح الدكتور دهبة أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على تعليم الآلات تدريجيًا عبر ست مراحل حتى تصل إلى مرحلة “التعلم العميق”، حيث يتم تدريب الأنظمة لتأدية مهام قد تُغني عن العنصر البشري في العديد من المجالات. ورغم الإمكانيات الكبيرة لهذه التقنيات، حذّر من آثارها النفسية والتربوية السلبية، خاصة مع الاستخدام غير المنضبط لبعض التطبيقات الذكية. فقد رُصدت في عام 2025 حالات لمرضى نفسيين أصبحوا يعتقدون أن المساعدات الصوتية مثل “أليكسا” و”سيري” كائنات حية، ما يشير إلى خلل إدراكي خطير، لا سيما لدى الأطفال الذين أصبحوا يعانون من تشتت في التمييز بين الواقع والافتراضي. وهو ما يستدعي رقابة أكبر، وتوعية مجتمعية شاملة حول مخاطر الاستخدام غير الواعي للذكاء الإصطناعي.
وفي تصريح خاص، أكد الأستاذ الدكتور أحمد عبد العزيز أن تنظيم هذه المحاضرة يأتي في إطار رؤية المعهد الإستراتيجية لتعزيز مكانته كمركز بحثي رائد يدعم الإبتكار ويربط بين البحث العلمي والتطبيق العملي، وأن معهد تيودور بلهارس سيظل حريصًا على أن يكون حلقة الوصل بين البحث العلمي المتقدم وإحتياجات المجتمع، عبر مبادرات نوعية وتعاون دولي فعال يسهم في النهوض بالمنظومة الصحية في مصر.
وأوضح سيادته أن إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في البحث الطبي لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية لمواكبة التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الصحي على المستويين المحلي والعالمي، مؤكداً على أهمية توظيف هذه الأدوات الحديثة بشكل علمي مدروس لتقديم خدمات صحية ذكية ودقيقة ومستدامة.
وأشار الدكتور عبد العزيز إلى أن المعهد يحرص على إستضافة خبراء دوليين في مجالات ذات صلة مباشرة بصحة المواطن المصري، وذلك بهدف نقل الخبرات، وتبادل المعرفة، وفتح آفاق جديدة للتعاون العلمي مع كبرى المؤسسات الدولية. كما شدد على أن هذه الفعاليات تسهم في بناء جيل من الباحثين والأطباء القادرين على استخدام التكنولوجيا المتقدمة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في تطوير منظومة الرعاية الصحية وتقديم حلول مبتكرة تتماشى مع خطط الدولة لتحقيق التغطية الصحية الشاملة.
شهدت المحاضرة حضورًا لافتًا من الأطباء والباحثين والمتخصصين في المجالات الطبية والبحثية المختلفة، وسط تفاعل كبير ومداخلات أثرت النقاش العلمي وفتحت آفاقًا جديدة للتعاون بين التكنولوجيا الحديثة والقطاع الصحي. تم خلالها طرح عدد من التساؤلات الهامة حول مستقبل الذكاء الإصطناعي في المنظومة الصحية، وسبل الإستفادة منه في تحسين جودة الرعاية الطبية وخفض التكاليف، مع التأكيد على أهمية وضع ضوابط أخلاقية وتشريعية واضحة لضمان الإستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات. وقد عبر الحضور عن تقديرهم لما تميزت به المحاضرة من طرح علمي متوازن جمع بين البعد الأكاديمي والخبرة العملية على المستوى الدولي، مؤكدين أهمية تكرار مثل هذه الفعاليات التي تفتح آفاقًا جديدة للتطوير في قطاع الصحة والبحث العلمي في مصر.