الصحافة تعيش اليوم أصعب اختبار في تاريخها. لم تعد مصدر الخبر، ولم يعد القارئ ينتظر الجريدة مع فنجان القهوة الصباحي، بل صار يحمل العالم كله في هاتفه. أمام هذه الحقيقة القاسية تغيّرت قواعد اللعبة: من يتطور ينجو، ومن يتأخر يختفي.
الأزمة لم تبدأ بين ليلة وضحاها. فقد بنت الصحافة لعقود نموذجها الاقتصادي على الإعلانات، وحين قررت الشركات الكبرى أن تذهب إلى المنصات الرقمية، وجدت المؤسسات نفسها بلا عائد، فتراجعت قدرتها على التطوير، وانخفضت جودة المحتوى. كما تغيّر القارئ، فصار يبحث عن الخبر السريع، والفيديو القصير، والبودكاست، والإنفوجراف.
الرئيس عبد الفتاح السيسي شدّد أكثر من مرة على ضرورة تطوير الإعلام، مؤكدًا أن بناء وعي حقيقي لا يتحقق إلا بصحافة قوية وحديثة قادرة على المنافسة. وهنا يبرز دور الهيئة الوطنية للصحافة التي عقدت لقاءات شملت كل الأجيال: من رؤساء التحرير، إلى الشيوخ أصحاب الخبرة الطويلة، وصولًا إلى الشباب واللجان النقابية. الهدف كان واضحًا: فتح حوار شامل حول مستقبل المهنة، وبحث سبل التطوير لاستعادة ثقة القارئ.
الطريق يبدأ باستعادة المصداقية، ثم البحث عن نماذج تمويل جديدة تمنح المؤسسات استقلالية، مثل الاشتراكات الرقمية والمحتوى المدفوع عالي الجودة. أما الصحفي نفسه فيجب أن يتدرب باستمرار ويتقن أدوات العصر ليقدم مادته عبر النص والصورة والفيديو. وإلى جانب ذلك، يظل قانون حرية تداول المعلومات أساسًا لا غنى عنه لضمان وصول القارئ إلى معلومة كاملة وموثقة.
وأنا كصحفية أعيش هذه التحولات يوميًا، أرى زملاء يحاولون التكيف مع أدوات جديدة، وأشعر بالقلق من سرعتها، لكنني أؤمن أن الصحافة لن تموت. قد تتغير الوسائل والمنصات، لكن الحقيقة والقدرة على التفسير وربط الأحداث ستظل السلاح الحقيقي. وستبقى المهنة، لأن الناس دائمًا بحاجة إلى من يضيء الطريق وسط الضجيج.