من اهتمام الدوائر السياسية والإعلامية على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة مع استضافة الدوحة لقمة عربية إسلامية طارئة في 14 من الشهر الجاري، وعدم تسمية البيان الصادر عن مجلس الأمن للدولة المعتدية، رغم أن الأمم المتحدة يُفترض أن تكون ضامنة للاستقرار الدولي وأن تمارس عملها وأجهزتها باستقلالية.
وقد جاء في كلمة رئيس الوزراء القطري خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن أن إسرائيل باتت غير قابلة للتوقع، وأن قادتها ضمنوا الإفلات من العقاب والمساءلة، مؤكدًا أن دول المنطقة لا يمكن أن تقبل سلوك إسرائيل المتطرف.
توالت بعد ذلك الإدانات من الدول العربية الفاعلة، وفي مقدمتها كلمة الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الذي جدد إدانة بلاده بأشد العبارات للهجوم الإسرائيلي على قطر، محذرًا من أن هذا العدوان المتهور لن يجلب السلام لإسرائيل، بل يشعل المنطقة عبر استهداف قطر. وأكد قرقاش أن الهجوم يقوض جهود وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وإنهاء الحرب في قطاع غزة.
كما حظيت مداخلة السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، باستحسان واسع لما تضمنته من رسائل قوية حول أمن قطر وأمن الخليج كجزء أصيل من الأمن القومي المصري والعربي. وطالب عبد الخالق المجتمع الدولي بالتصدي لـ”إرهاب الدولة” الذي تمارسه حكومة الاحتلال ضد قطاع غزة، واتخاذ موقف موحد وحاسم لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي ونبذ العنف.
وفي الوقت ذاته، رأت بعض مراكز الفكر أن الحكومة الإسرائيلية راهنت من خلال هذه العملية على “الصدمة الاستراتيجية” كوسيلة لتسريع صفقة الرهائن. وكشفت القناة الإسرائيلية الـ12 أن نتنياهو سيعرض على وزير الخارجية الأمريكي خطة لتهجير سكان غزة جوًا وبحرًا بدءًا من الشهر المقبل. وفي السياق نفسه، أصدر عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي، كريس فان هولن وجيف ميركلي، تقريرًا بعد جولة شملت مصر والأردن والضفة الغربية وتل أبيب، خلصا فيه إلى أن حكومة الاحتلال تطبق سياسة “التطهير العرقي” في غزة.
تقرير النائبين، الصادر في 11 سبتمبر الجاري، أشار إلى أن حكومة نتنياهو تمارس سياسات تجويع علنية بحق سكان غزة، وتستخدم الهدم والتهجير والحصار كأدوات استراتيجية، مؤكدًا أن هذه السياسات أسفرت عن مقتل ما يزيد على 63 ألف فلسطيني. وتضمن التقرير أيضًا نتائج زياراتهما الميدانية لمعبر كرم سالم، وميناء أشدود المخصص لتخزين مساعدات برنامج الغذاء العالمي، ولقاءاتهما مع مسؤولين إسرائيليين، من بينهم الرئيس هيرتزوغ وعناصر حالية وسابقة في الجيش، إلى جانب قيادات كنسية بالقدس.
ورغم تركيز الزيارة على الوضع الإنساني في غزة، إلا أن التقرير رصد سياسات مماثلة في الضفة الغربية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين بشكل تدريجي. كما كشف عن واقعة منع حكومة تل أبيب طائرة مساعدات أردنية من الهبوط، في وقت كان النائبان يعتزمان المشاركة في عملية الإنزال. وقد اختتمت جولتهما بزيارة رفح والعريش ولقاء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي.
الغضب الدولي من سياسات حكومة نتنياهو تضاعف في 2025، وهو العام الذي شهد عزلة إسرائيلية متزايدة، وتوجهًا عالميًا لفرض تدابير عقابية، إضافة إلى ملاحقات دولية لجنود الاحتلال. ومن أبرز مظاهر ذلك إعلان صندوق الثروة النرويجي، في 11 أغسطس الماضي، إنهاء عقود مع 11 شركة إسرائيلية. وجاء القرار متزامنًا مع مساعٍ أوروبية لتقييد مشاركة تل أبيب في برنامج “هورايزون أوروبا”، بجانب تصاعد زخم الاعتراف الدولي بفلسطين كجزء من حل الدولتين.
الغضب امتد أيضًا إلى الأوساط الإسرائيلية نفسها، حيث صرح جيريمي يسخاروف، السفير السابق لدى ألمانيا، بأن سياسة الحكومة الراهنة لا تحظى بدعم الأغلبية العظمى من الإسرائيليين. وأكد خلال مشاركته في منتدى “هيلي” بأبوظبي أن القضية الفلسطينية عادت لتفرض ثقلها الاستراتيجي، مشيرًا إلى أن إسرائيل أخفقت في توسيع نطاق السلام بعد 7 أكتوبر.
داخليًا، تظهر مؤشرات على تآكل الدعم الغربي التقليدي لإسرائيل، وهو ما انعكس في تصريحات رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، الذي أقر بأن أكثر من 200 ألف من سكان غزة قُتلوا أو أصيبوا، وهي أرقام مقاربة لما تعلنه وزارة الصحة الفلسطينية. كما دعا أفيغدور ليبرمان قادة المعارضة للتشاور بشأن الخطوط العريضة لحكومة مقبلة.
خلاصة القول: إن تردد واشنطن في كبح جماح نتنياهو، وتركيزها على عرقلة تحركات محكمتَي العدل والجنائية الدوليتين، يمنح تل أبيب حصانة ويدفعها نحو التصعيد، سواء عبر التوسع الاستيطاني أو اقتحامات المسجد الأقصى أو الاعتداء على قطر. مثل هذه الممارسات لن تقوض فقط مسارات التكامل الإقليمي، بل ستعقد أيضًا خطط إدارة ترامب لتوسيع التطبيع، وتفتح المجال أمام منافسين دوليين، مثل الصين وروسيا، للظهور كحلفاء موثوقين للمنطقة.