مرحباً بكم في ديوان القراءات الدبلوماسية التاسع عشر، نعرض فيه للتكامل على مستويات التنظيم الدولى الثلاثة، العالمية ممثلة في الأمم المتحدة، والقارية ممثلة في الاتحاد الأفريقى، والإقليمية ممثلة في جامعة الدول العربية. ويكتسب هذا الموضوع أهمية متزايدة في ظل ظل التحديات المعاصرة التي تواجهها المنظمات الدولية بشكل خاص، بل الدبلوماسية متعددة الأطراف بشكل أعم. ومن هنا، فإن القراءة المتعمقة للأدبيات المتخصصة تسهم في طرح الأفكار المفاهيمية التي يمكن ترجمتها إلى مبادرات عملية لتكييف التنظيم الدولى بما يتوافق مع ما يواجهه من تحديات على مختلف المستويات.
ومن هنا، فإن هذه النسخة من الديوان تتضمن ثلاثة مقالات قيمة بدءاً بقراءة الملحق نور عزالدين إبراهيم فاضل لكتاب “الأمم المتحدة: السياسة والممارسة” الصادر عام ٢٠٢٣ بتحرير من Jean E. Krasno ، وقراءة الباحث مجدى جلال صالح لكتاب “الاتحاد الأفريقي في العشرين من عمره، وجهات نظر أفريقية حول التقدم، والتحديات والآفاق” الذى حرره “وافولا أوكومو و”أندروز أتا أسامواه” وصادر عن معهد الدراسات الأمنية عام 2023، وأخيراً وليس آخراً قراءة للوزير مفوض دكتور عبدالحميد هاني الرافعى لكتاب “الأمين العام لجامعة الدول العربية: اختصاصاته السياسية والإدارية ودوره في قوات الطوارئ العربية للدكتور محمد عبد الوهاب الساكت والصادر في القاهرة عن دار الفكر العربي.
ودون الخوض في تفاصيل المقالات الثلاثة، ربما تشويقاً لكم السادة الفراء للاطلاع عليها بأنفسكم، فإن التطرق إلى تلك الموضوعات الثلاثة يوضح مدى الترابط بين تجارب ونماذج التنظيم الدولى على الأصعدة العالمية، والقارية والإقليمية. وليس مستغرباً تزامن إنشاء الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولا الشراكة بين الأخيرة وبين منظمة الوحدة الأفريقية التي أصبحت الاتحاد الأفريقي، وهى الأولى تلتها سلسلة طويلة من الشراكات الدولية لأفريقيا. وما يجمع تجارب التنظيم الدولى أنها مقاربة مؤسسية لإدارة العلاقات فيما بين أعضائها، تتدرج من مستوى المنظمات الدولية العامة الحكومية، فترتقى تدريجياً إلى طموحات المنظمات ذات السلطة فوق القومية. وبينما أن السيادة الوطنية هي نقطة الانطلاق لكل منها، فإن درجات التفويض الوطنية للمنظمات الدولية تبدأ من مجرد الانضمام إلى المنظمة ذات الصلة، وتتوسع بقدر الأدوات القانونية الملزمة، التي تنضم إليها كطرف طواعية، ومدى تشعب المجالات وعمق “التوكيلات” المحالة إلى المنظمة أو الاتفاقية.
وتشترك المنظمات الثلاثة محل الدراسة في أنها واسعة الاختصاصات شاملة الولاية، حيث تستند إلى ركائز العمل الثلاثة الأساسية وهى السلم والأمن، والتنمية والاقتصاد والبيئة، والموضوعات الإنسانية والاجتماعية وحقوق الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار بالطبع تباين حجم ونطاق العضوية في كل منها. ويطرح ذلك بعداً مهماً في الدبلوماسية متعددة الأطراف من أن المنظمات الإقليمية أصبحت في العديد من الحالات منصة الانطلاق للمواقف الإقليمية المجمعة في المفاوضات متعددة الأطراف بشكل عام، وفى الأمم المتحدة بشكل خاص. بالتالى، فهناك سُرة وصل متوافرة، لمن يود أن يستعين بها، بين الإقليمى والأممى، وما ذلك بغريب فذلك الأصل الذى استند إليه الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وهو أصل أصبحت له روافد ممتدة تتعدى السلم والأمن الدوليين إلى القضايا المتشعبة التي أصبحت تحتل جدول أعمال العلاقات الدولية. وربما ينفرد في ذلك الاتحاد الأفريقي للعلاقة العضوية التي أصبحت بينه وبين المجموعة الأفريقية في نيويورك وفى غيرها من مقار الأمم المتحدة، وما يضيف إلى ثقله أنه أيضاً مجموعة إقليمية تمثل الدائرة الانتخابية للمناصب والمقاعد في الأمم المتحدة، وأخيراً فهو الأكبر عدداً من حيث التشكيل، فتلك أيضاً قوة تصويتية معتبرة.
كذلك، تشترك المنظمات الثلاثة في أنها تواجه ذات التحديات المرتبطة بطبيعة المنظومة الدولية الحالية، فمن ناحية هناك التحدى الخاص بزيادة عدد وتأثير المنتديات متعددة أصحاب المصلحة Multistakeholder بحكم بزوغ فاعلين دوليين هامين، من غير الحكوميين، خاصة في المجالات الفنية المتخصصة، سواء الرقمية أو الاقتصادية أو الحقوقية أو البيئية. أما التحدى المشترك الآخر فهو أن المنظمات الدولية هي رهن إرادات الدول الأعضاء، سواء كانت عالمية، أو قارية أو إقليمية، كما هي انعكاس لمدى التوافق أو التنافر السائد في العلاقات فيما بين تلك العضوية. وهنا حدث ولا حرج عن تأثير المناخ الجغراسياسى على المستوى العالمى خاصة بين الأقطاب، والتنافسات المستمرة بين على مستوى القوى المتوسطة إقليميا، وأخيراً توسع اعتناق التوجهات الفكرية الانعزالية الشعوبية. ومن هنا، فإن أي معادلة تستطيع التعامل مع تلك التحديات سيكون له مدلول على المنظمات الدولية الأخرى، كنموذج يمكن الاقتداء به. ومن هنا أهمية أن تكون دراسة التنظيم الدولى دراسة مقارنة، تحدد أفضل الممارسات وتتعلم من الدروس المستفادة، لعلها تكون قابلة للتكرار.
هل نحن في مرحلة مفصلية بالنسبة للتنظيم الدولى، على نحو ما كانت فترة الحرب العالمية الأولى والثانية، والتي نتج عنهما منظمات دولية عالمية وإقليمية نعيش في إطارها حالياً. هناك من الشواهد ما يرجح ذلك، خاصة مع تبدل هيكل القوى العظمى والكبرى والوسطى في المنظومة الدولية. والأمل أن يتم الإصلاح والتغيير تكيُفا وتدرجاً واستيعاباً لا العكس!
وما زلنا في مبحرين في رحلة القراءات الدبلوماسية، وإلى المزيد من العروض للكتب القيمة نتلقاها على البريد الالكترونى للمحرر
بقلم السفير عمرو الجويلى