أخي الحبيب كان رحيلك صفحة طُويت من كتاب حياتي، لكن حروفها ما زالت محفورة في قلبي. لم نعترض يومًا على قضاء الله وقدره، فالموت حق، واللقاء عند الله وعدٌ لا يُخلف، لكن الفراق يا أخي مرّ كالعلقم، يترك في الروح ندوبًا لا يداويها الزمان.
كم جلسنا معًا نضحك ونمرح كالأطفال، وكم تقاسمنا الخبز بيدين بريئتين، وملأنا أيامنا بحبٍ صافٍ لا تشوبه شائبة. سرنا بين الزروع والنخيل، نتعب معًا ونرتاح معًا، نبكي حين يضيق بنا الحال، ونفرح حين تهب نسائم الفرج.
لا أنسى دموعنا يوم رحل أبونا، وكيف كنت السند، تجمعنا حولك وتعلّمنا الرجولة بصمتك وقلبك الحنون. كنت تقسو حين يفرض الموقف الحزم، وتحنو حين تحتاج أرواحنا الدفء. وكأنك كنت تدرك أن يومًا سيأتي يحمل الوداع الأخير.
الحمد لله الذي كتب على خلقه الفناء، وجعل الآخرة دار البقاء، وجعل الموت حقًّا لا مفر منه. رحلت عن دار الامتحان إلى دار الجزاء، وعن دنيا الغرور إلى دار الخلود. ما اعترضنا على أمر الله، لكن القلوب تتصدع، والعين تدمع، والنفس تئنّ من وجع الفقد والفراق.
كنت عماد قلبي، وريحان حياتي، ورفيق دربي.حملنا معًا من المحبة ما لا تحمله خزائن الملوك، وعشنا تفاصيل لا يعرفها سوانا. ثم جاء أمر الله المحتوم، وقبض المَلَك الأمين روحك الطاهرة، تاركًا في صدري فراغًا لا يملؤه إلا وعد الله باللقاء.
أحتسبك عند الحي الذي لا يموت، وأرجو أن يجمعنا الله تحت ظل عرشه، في جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقًا.
إن رحيل الأب وجع، ورحيل الأخ الأكبر فقد عظيم وجرح غائر، لكن تبقى رحمة الله ولطفه تداوي القلوب، وتلهمنا الصبر والسلوان، وتجمعنا على أمل اللقاء في جنات النعيم.










