الإعلام ليس مجرد مهنة، ولا هو ترف فكري أو زخرفة معرفية، بل هو رئة المجتمع التي يتنفس منها الصدق، ومرآته التي تعكس صورته أمام نفسه وأمام العالم. حين يكون الإعلام حرًا ومسؤولًا، يصبح صوتًا للوعي، وذراعًا للتنوير، وجسرًا بين الدولة ومواطنيها، وبين الشعب ومحيطه الإقليمي والدولي. أما حين يُنتزع من أيدي أهله ويُسلَّم لغير المتخصصين، فإنه يفقد روحه، ويتحوّل إلى صدى باهت لا حياة فيه.
اليوم، ونحن نشهد إطلاق الدولة المصرية لخطة شاملة للنهوض بالإعلام، يتجدد السؤال الملح: ماذا لو تركنا الإعلام لأهله؟
الإجابة لا تحتاج إلى خيال واسع، بل إلى نظرة متأملة في تاريخ الأمم التي تقدمت، حيث كان الإعلام فيها مؤسسة مهنية، يديرها المتخصصون، ويقودها أصحاب الخبرة والرؤية، لا الباحثون عن شهرة عابرة أو مكاسب وقتية.
إن ترك الإعلام لأهله يعني أن تتحكم فيه معايير المهنة لا أهواء الأشخاص، وأن تُبنى رسالته على الحقائق لا على الانفعالات، وأن يكون هدفه تشكيل وعي ناضج قادر على التمييز بين المعلومة الموثقة والشائعة المغرضة. ويعني أيضًا أن يُتاح للمحترف أن يعمل في بيئة تحترم حرية التعبير بقدر ما تحترم ضوابطها، وتمنح مساحة للإبداع بقدر ما تضع حدودًا للانفلات.
خطة الدولة للنهوض بالإعلام يمكن أن تكون نقطة التحول الكبرى إذا اقترنت بإرادة حقيقية لتأهيل الكوادر، وتحديث البنية التكنولوجية، وفتح النوافذ أمام الصحافة الاستقصائية، والبرامج الحوارية العميقة، ومنصات الإعلام الرقمي المبتكرة. لكن النجاح الحقيقي لهذه الخطة لن يتحقق إلا إذا كان القائمون على تنفيذها هم من أبناء المهنة، ممن عاشوا قضاياها، وتذوقوا حلاوة إنجازاتها ومرارة أزماتها.
إن الإعلام حين يُدار بعقلية المهنة وروح الرسالة، يصبح شريكًا في التنمية، وداعمًا للاستقرار، وحارسًا لقيم المجتمع. أما حين يُختطف من أهله، فإنه يتحول إلى أداة باهتة، تفقد القدرة على التأثير، وتفقد معها الجماهير ثقتها في كل ما يُقال ويُكتب.
فلنترك الإعلام لأهله، ولنجعل من الخطة الجديدة فرصة لاستعادة هيبة الكلمة، وصدق الصورة، ونبل الرسالة. فالإعلام في النهاية ليس مجرد وسيلة لنقل الخبر، بل هو صناعة الوعي، وصياغة المستقبل.