على الرغم من التقارير الإعلامية التى نشرت مؤخراً حول قيام رئيس أركان جيش الإحتلال بإبلاغ المستوي السياسي بأن الجيش ‘ قد استنفذ القتال فى غزة ‘ إلا أن التصريحات الصادرة عن مسئولي الولايات المتحدة والمعارضة فى تل أبيب تعكس تناقضات متنوعة ، ففي حين تتواصل الرعاية البلاتينية والكاملة من جانب واشنطن لحكومات تل أبيب، وهو ما يظهر فى تصريحات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط -عقب زيارته لتل أبيب – بأن واشنطن تعمل مع حكومة إسرائيل على خطة لـ”إعادة إعمار غزة” ، الأمر الذى سيؤدى إلى إنهاء الحرب، وما إلى ذلك من تصريحات أخرى له أشار فيها أنه لا مجاعة فى غزة ، وكأن من يموت فى القطاع لديه رفاهية الاختيار وقرر مفارقة عالمنا الهادىء وأن يذهب للحياة الأخرى جائعاً ومشرداً من أرضه بإختياره ، نجد أن زعيم المعارضة الإسرائيلية ‘ لابيد ‘ يدعو إلى وقف العمليات العسكرية في غزة فورًا، وصرح بأن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في حرب تفتقر إلى تأييد شعبى .
ويشاء السميع العليم أن يمنحنا برهان جديد على الانحياز لصالح كيان وحكومات الإحتلال ، فيخرج علينا السفير الأمريكي لدى إسرائيل بتصريحات جديدة لـ”فوكس نيوز” والتى أشار فيها إلى أنه لا توجد دولة فى العالم، بما فيها الولايات المتحدة، تتخذ الإجراءات التي تتخذها إسرائيل للحد من الخسائر المدنية، وكأن مبعوث دولة الاحتلال يتحدث عن كوكب زُحل ولا يعلم شيئاً عن العملية العسكرية الجارية والتى يطلع عليها إسم ‘ عربات جدعون ‘ ولا يستوعب الغضب الشعبى فى الشارع الإسرائيلي من استمرار العمليات العسكرية دون نتائج واضحة ، وفى مقابل الانحياز الأمريكي الواضح بدأ المجتمع الدولى يُظهر- متأخراً -دعم نسبي للقانون الدولى الإنساني والانتفاضة ضد تمادى حكومة نتنياهو في الانتهاكات المتواصلة بحق الإنسانية .
وعلى الرغم من عدم التفات المجتمع الدولى – بقوة – لما تقوم به حكومة الاحتلال من تقطيع أوصال قطاع غزة وشن حرب إبادة ومنع دخول المساعدات الإنسانية ومهاجمة القوافل، ويبدو أن السفير الأمريكي لدي تل أبيب يعمل بمعزل عن تفاعلات عن المجرة ومن عليها ، لذا يرى أن إسرائيل تعمل بكل جد لضمان توصيل المساعدات والحد من الخسائر المدنية، والرجل بكل أريحية لم يتطرق إلى الخسائر البشرية ، بل منح الخسائر صفة المدنية لكى يُمعن فى تحيزه الفج لكيان الإحتلال الذى لا يروع المدنين فى غزة فقط، وإنما فى الأراضي السورية أيضاً ، والقصف الجوى الذى لا يتوقف على لبنان ، وكأن هناك مشاهد مختلفة عن واقعنا وواقع غزة وواقع المنطقة يتابعها ذلك الرجل ، يتم بثها له من فضائيين مستوطنين وليست فضائيات ، ويبدو أن الذاكرة الجماعية لكل المنحازين تحول دون إدراك أن التاريخ لا يرحم أحد . كما أن الواقع فى بعض الأحيان يكشف تزييف الحقائق .
هذا، وقد نشرت واشنطن بوست أمس تحقيقاً مقتضباً من أهم ما ورد به ، أنه على الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي المتكررة بأنه قدم 60 مليون دولار كمساعدات غذائية لغزة ، إلا أنه واقعياً لم تقدم الولايات المتحدة سوي 3 مليون دولار، وذلك وفقاً لما ورد بواشنطن بوست ، آخذاً فى الاعتبار أن ترامب قد صرح فى الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بأن واشنطن ستقوم بإنشاء مراكز توزيع للمساعدات الغذائية فى غزة . فى المقابل نشرت ” فورين أفيرز ” تقريراً يركز على أن نتنياهو يُحبط جهود ترامب نحو اتفاق إقليمي ، نظراً لتمسكه بإنهاء حُكم حماس ورفضه التنازل عن السيطرة على غزة والضفة، وأنه فى حين يسعى ترامب لصفقة سلام شاملة لكن دعمه غير المشروط لإسرائيل يُقوّض هذا الهدف، خاصة في ظل رفض عربي واسع لأي تهجير قسري ومطالب متزايدة بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
وبالعودة إلى حديث ‘ يائير لابيد ‘ عن ضرورة الإيقاف الفوري للحرب ، فنجد أن زعيم حزب الديمقراطيين ‘ يائير جولان ‘ صرح الأسبوع الماضي أن إعلان عدة دول نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية هو فشل متقطع لنتنياهو ، وأن الحكومة الإئتلافية تطيل أمد الحرب وتتخلى عن ‘ المحتجزين ‘ وتخلف أزمة إنسانية وأن العالم بدأ يعمل بدون إسرائيل ، ونظراً لوجود أكثر من ” يائير ” فى صفوف المعارضة ، واصل ‘ جولان ‘ انتقاداته لحكومة اليمين المتطرف وأوضح أن نتنياهو يستسلم لوزير المالية ‘سموتريتش’ ووزير الأمن القومي ‘بن غفير ‘ ويُسلم الأمن لوزير الدفاع ‘ كاتس’ ، بدلاً من التحالف مع الشركاء الدوليين .
كما امتدت الانتقادات إلى العسكريين ووجهوا انتقادات علنية لسياسة الحكومة تجاه غزة خاصةً مع زيادة عدد الجنود التى تعانى من صدمات نفسية واضطرابات ومنهم من أنهى حياته ، إذ هاجم القائد الأسبق لقيادة المنطقة الشمالية اللواء (احتياط) عميرام ليفين، سياسة الحكومة تجاه السكان المدنيين فى غزة، مؤكدًا أن الأوامر التي تصدرها بشأن إطلاق النار تُشكل “جريمة حرب”، فضلا عن تحذيرات من استنزاف الجيش. كما أوضحت صحيفة “معاريف” أن استمرار القتال فى غزة سيترك آثارًا طويلة المدى على الجيش ، خاصةً على جنود وحدات الخطوط الأمامية. وبالتوازي مع الدعوات لعقد صفقة شاملة يتبعها تحرك عسكري، فإن هناك حالة ترقُّب لقرارات مصيرية بشأن الحرب ، ونقلت “القناة 12” الإسرائيلية عن مصادر مُطلعة أن إسرائيل مُقبلة على أسبوع مصيري سيتخلله اتخاذ قرارات استراتيجية قد تُعيد رسم ملامح الحرب، علما بأن أحدث استطلاعات الرأي التى أجراها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي قد أظهرت أن 61% من الجمهور يعتقدون أن العمليات العسكرية في غزة لن تؤدي إلى استعادة الرهائن، بينما حمّل 52% مسؤولية عرقلة التوصل إلى صفقة، ولكى يُضفي ‘ بن غفير ‘ لمسة إضافية من تطرفه، قاد اقتحام جماعي للمسجد الأقصى، وأفادت “القناة 7” الإسرائيلية بدخول نحو 2,000 يهودي إلى المسجد الأقصى مُنذ صباح الأحد الماضى وسط مخاوف من تصاعد التوترات داخل القدس، وغير ذلك من تصريحات تصعيدية أدلى بها أمس أنه يجب أن نضمن غزو قطاع غزة وإعلان السيادة الكاملة عليه ، وتشجيع الهجرة الطوعية .
ويبدو أن بنيامين نتنياهو يتحرك وفقاً لبوصلة الثنائى سموتريتش – بن غفير ، فقد نشرت القناة الـ١٢ الإسرائيلية خبراً مساء أمس يفيد بأن رئيس حكومة الاحتلال يميل إلى توسيع الهجوم والاستيلاء بالكامل على قطاع غزة ، فى المقابل ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الأجهزة الأمنية تعارض توسيع القتال في مناطق لم يتحرك بها الجيش خشية المساس بالمختطفين ، وتداولت وكالات الأنباء ما يوحى بأن رئيس الأركان الإسرائيلي قد يلغي زيارته إلى واشنطن بعد تسريبات عن منح “نتنياهو” الضوء الأخضر لاحتلال قطاع غزة ، وهو ما يجسد الخلافات بين الحكومة والعسكريين والأمنيين ، علماً بأن صحيفة ” معاريف ” قد كررت توجيهها تحذيرات بأن استمرار القتال سيلحق أضراراً طويلة المدى بجيش الاحتلال، وبصفة خاصة قوات الخطوط الأمامية .
هذا، وقد ركزت “معاريف” الإسرائيلية فى تغطيتها للمستجدات الميدانية والسياسية على مطالبة رئيس الأركان الإسرائيلي الحكومة الإئتلافية بعقد جلسة نقاش لعرض خطط بشأن استمرار القتال فى غزة، مع التنويه بمنع نتنياهو عقد جلسة النقاش التي طلبها رئيس الأركان، ويمنع عرض الخطط والموافقة عليها، وبذلك لا يعرف الجيش ماذا تريد القيادة السياسية مع إدراك أن استمرار المهمة سيسفر عن نتائج سلبية، كما أبرزت معاريف – نقلاً عن مصادرها – أن هناك استنزاف هائل فى وحدات الخطوط الأمامية للجيش الإسرائيلي، وتمديد القتال سيكون له أثر على الوحدات والجنود.