في مشهد نادر امتزجت فيه أنفاس الحضارة بأحلام الشباب، تحوّل مقر الجامعة الألمانية ببرلين إلى مسرح زمني مفتوح، يسير فيه الزائر بين عصور مضيئة، تبدأ من 5 آلاف عام قبل الميلاد، وتمر عبر محطات الهوية والتجديد، وصولًا إلى فضاء المستقبل حيث تلتقي التكنولوجيا بالفن والذكاء الإنساني.
ثماني فعاليات متكاملة امتدت على مدار اليوم، كانت أشبه برحلة في كتاب الزمن المصري، أعادت تعريف الحاضر بعيون الماضي، وقدّمت للمجتمع الأوروبي سردية بصرية وإنسانية فريدة عن مصر، ليست فقط بوصفها مهد الحضارة، بل أيضًا باعتبارها بلدًا شابًا قادرًا على التجديد وصياغة المستقبل.
حيث يبدأ الحكاية..
كان المدخل من معرض المتحف المصري الكبير، الفعالية الأم التي اجتمع على إنجازها أكثر من 80 أكاديميًا وفنانًا وإداريًا وخبيرًا مصريًا، عملوا على مدار أيام متواصلة، ليصنعوا نسخة مصغّرة من روح المتحف الكبير في الجيزة، وهدية ثقافية إلى أوروبا في قلب برلين. المعرض جاء ثمرة لرؤية الجامعة الألمانية بالقاهرة، التي انطلقت منذ 1994، وسعت إلى نشر المعرفة وتقديم خريج متميز قادر على التواصل الثقافي مع العالم.
من المتحف إلى الهوية..
وبين أروقة الفعالية، انتقل الزائر إلى محطة فريدة عن مشروع الهوية البصرية لمصر، المشروع القومي الذي غيّر ملامح 7 محافظات مصرية بأيادي الشباب، وجاء عرضه هنا ليربط بين الفن والهوية، ويقدّم امتدادًا جديدًا لمبادرة “فلك” التي أعادت اكتشاف الهوية العربية النسائية، في مشهد فني من إهداء مصري خالص.
أما الحاضر.. فتتكلم فيه الألوان والعقول
في ساحة أخرى من الفعالية، اجتمع أكثر من 600 شاب وشابة من جنسيات متعددة في ورش فنية، عبّروا فيها عن مستقبل التصميم والعمارة، ودمجوا الذكاء الاصطناعي بالفن في مبادرة Connect، وهي مساحة إبداعية حرة تحتضن أفكار الشباب وتقودهم لرؤية بصرية مستقبلية. ومن هناك، امتدت الخطوات نحو العاصمة الإدارية الجديدة كنموذج لمدن المستقبل المصرية.
اتفاقات من أجل المستقبل
وسط هذا الزخم الثقافي والفني، شهد اليوم توقيع اتفاقية إطارية فريدة من نوعها بين الجامعة الألمانية والغرفة العربية للصناعة والتجارة، في أول حدث رسمي من نوعه يجمع الأكاديميا والاقتصاد العربي في أرض ألمانيا، إيذانًا ببداية تعاون استثماري وتنموي ممتد، سيؤتي ثماره اقتصاديا على المستوى الدولي والمحلي.
الفن يجمع الشعوب
وعندما جاء المساء، انطلقت الألحان لتكمل المشهد الثقافي، بفرقة موسيقية عربية أوروبية بقيادة المطربة عهود خضر والعازفة سوزان صابر، مؤسستا الفرقة الموسيقية التابعة للجامعة الألمانية بالقاهرة. عزفت الفرقة أغنيات مصرية وطنية، وغنّت للجمهور الألماني بلغتين: العربية والألمانية، على طريقة الفنانة الراحلة داليدا، لتكون لحظة توحيد وجداني فني بين الشعوب.
جمعت الفعالية مختصين وخريجيين وطلاب مع أكاديميين، وفنانين، وممثلين دبلوماسيين في يوم حافل بالأنشطة والفعاليات والعروض الفنية، والنقاشات التي تبرز دور الجامعة في الحفاظ على التراث ودعم السياحة العلمية والثقافية.
رسالة سلام مصرية من برلين
لم تكن هذه الفعاليات مجرد احتفال، بل كانت رؤية شاملة ترسم بالثقافة والتاريخ والفن ملامح تواصل إنساني عالمي، تربط الحضارات، وتعبر عن مصر الحديثة التي تمد يدها للعالم بلغات متعددة: التاريخ، الفن، الإبداع، والانفتاح.