أثلجت تصريحات الرئيس ترامب بأنه أصيب بخيبة أمل من الرئيس بوتين صدور قادة أوروبا الذين عاشوا حالة ترقب من استمرار ما أسموه استقطاب بوتين لترامب ، وفيما يمكن وصفه بتصعيد دبلوماسي وسياسي منح ترامب الضوء الأخضر للكونجرس للمضي قدماً فى مشروع قانون لفرض عقوبات جديدة على روسيا مع التركيز على صادرات النفط الروسية التي تذهب بشكل رئيسي إلى الهند والصين، وتشمل العقوبات المقترحة تجميد أصول وقيوداً على التعاملات المالية مع مؤسسات روسية كبرى، وفرض رسوم جمركية تصل إلى 500% على واردات الولايات المتحدة من الدول التى تواصل شراء الطاقة الروسية، وتم تعديل مشروع القانون ليمنح الرئيس سُلطة تأجيل أو رفع العقوبات إذا رأى ذلك مناسباً ؛
كما أن التسريبات الإعلامية التى تشير إلى نية ترامب الإعلان هذا الأسبوع عن خطة تسليح جديدة لأوكرانيا من الأرجح أن تكون هجومية ، ستُضاعف الاجتهادات الإعلامية فى الدول الغربية وخارجها لتحليل الأسباب التى دفعت ترامب إلى تعديل منهجه فى التعامل مع بوتين والتلويح بتدابير عقابية لدفعه إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات بشأن أوكرانيا ، وذلك على الرغم من إعلان ترامب -فى أكثر من مناسبة – عدم رغبته فى التصعيد مع موسكو ، وذهبت بعض التقديرات إلى عدم رضاء ترامب عن استمرار الحرب وعدم تقديم بوتين أي خطوات ملموسة لوقفها، الأمر الذى دفعَ إدارة ترامب إلى التفكير فى إجراءات أكثر صرامة، لاسيما وأن هناك قدر من المتوافق داخل الكونجرس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على فرض عقوبات أشد على روسيا، وتتزامن الأصوات المطالبة بتشديد الضغط الاقتصادي على موسكو مع إعلان ترامب موافقته على استئناف إرسال الأسلحة لأوكرانيا، وقد نشر موقع “أكسيوس” فى 5 يوليو الجارى أن ترامب” قد أبلغ “زيلينسكي” خلال مكالمة هاتفية أنه يريد مساعدة أوكرانيا فى الدفاع الجوي بعد تصعيد الهجمات الروسية، ورغم تعليق شحنة أسلحة أمريكية مؤخرًا، أكد “ترامب” أنه سيتحقق من الوضع وأعرب عن رغبته فى التعاون لتعزيز الدفاعات الجوية؛علماً بأن البيت الأبيض سبق وأن أعلن فى الأسبوع الأول من أبريل الماضي أن الرئيس ترامب مُحبَط من قادة روسيا واوكرانيا ، وهو الأمر الذى قد يحتاج إلى الاستعانة بمتخصصين فى الشأن الاستراتيجي لدراسة تأثير المزاج المتقلب للرئيس الأمريكي علي صداقاته فالعلاقات مع بوتين لم تشهد شوائب وأثني ترامب عليه فى أكثر من مناسبة إلا أنه فى مايو الماضي قد بدأ يستجيب لضغوط عدد من المستشارين ونشرت وول ستريت جورنال فى ٢٦ مايو خبراً يفيد بأن ترامب أبلغ عدد من قادة أوروبا أن بوتين غير مستعد للسلام لأنه يعتقد أنه منتصر.
فى سياقٍ موازٍ، ركز التحليل الذى نشرته صحيفة نيويورك تايمز نهاية الأسبوع الماضى علي تأكيد تجاهُل “بوتين ” لخيبة أمل ” ترامب” المُعلَنة فيه، ومُضيِّه قُدمًا فى حربه ضد أوكرانيا، وتُرجح الصحيفة أن ذلك قد يكون مدفوعًا بإدراكه أن تفوّق روسيا فى ساحة المعركة آخذ في التزايُد، وأن دفاعات أوكرانيا قد تنهار فى الأشهر المقبلة. كما يبدو أن نهْج ترامب الودود تجاه «الكرملين»، وانتقاده لزيلينسكي فى المكتب البيضاوي، قد أتاحا فرصةً نادرةً لـ”بوتين “، ونظرًا لأن تهديدات «ترامب» بفرض عقوباتٍ على روسيا قد ثبَتَ أنها مجرَّد حججٍ واهية، فمن المتوقَّع أن تتواصل إمكانية عقْد بوتين لصفقةٍ مع ترامب بشأن تخفيف العقوبات، عندما يكون الزعيم الروسي، مستعدًا لإنهاء الحرب؛ وتستند تلك التقديرات على تذبذب مواقف ترامب تجاه روسيا وبوتين حيث تراجع فى مايو الماضي عن تهديده بفرض عقوبات مالية على روسيا قائلاً حينها أن البعض أخبروه أن العقوبات علي روسيا ستضر بمصالح شركات أمريكية ، أخذاً فى الاعتبار أن ترامب قد اعترف بشبه جزيرة القرم أرض روسية وانتقد تمسك زيلينسكي بهذه المسأله وأنها تمثيل تعطيلاً لمفاوضات السلام بين روسيا واوكرانيا .
هذا، وبالتزامن مع تعليق ترامب بأنه كان يعتقد أن الرئيس الروسي شخص يلتزم بما يقوله ، أدلى فلاديمير بوتين، بتصريحات أمس وجه فيها إنتقادات جديدة للدول الغربية التى عملت على توظيف تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي لتحقيق مزايا جيوسياسية على حساب روسيا، وأنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قرر الغرب “العيش وفقًا للقواعد التي وضعها لنفسه”، متجاهلًا مصالح روسيا ، وأنه عندما انهار الاتحاد السوفييتي، لم يعد هناك نظام شيوعي، لكن الموقف المتعالي تجاه المصالح الاستراتيجية للدولة الروسية بقي قائمًا. كما أكد بوتين فى حديثه الصحفى أنه قد أصبح من الجلي لروسيا، أنه لن يتم أخذها بالاعتبار، حتى تعلن نفسها دولة ذات سيادة قادرة على الدفاع عن مستقبلها.
ليس من اليسير إغفال اعتماد أوروبا علي روسيا ، وقد صدر عن مركز ECSSR تقريراً ينظر إلى احتياج أوروبا للوقود النووي على أنه بمثابة تأكيد النفوذ الروسي، واستند التقرير إلى ما أعلنته المفوضية الأوروبية فى 16 يونيو الماضي من عدم توجُّه المفوضية الأوروبية لأي تدابير تحدُّ من الاعتماد على الوقود الروسي، ويعكس هذا الأمر بعدًا استراتيجيًّا يُظهر حاجة أوروبا الماسة لهذا الوقود، وعدم قدرتها على استبداله رُغم الخلافات الجيو-سياسية الكبيرة مع موسكو ، إذ تمتلك خمسة دول في الاتحاد الأوروبي 19 مفاعلًا مُصمَّمة للعمل بالوقود الروسي، ورغم أن 4 دولٍ منها وقعت في عام 2022 عقودًا مع (Westinghouse) الأمريكية، و(Framatome) الفرنسية لتأمين وقود بديل، إلا أن الانتقال للبدائل سيستغرق 5-7 أعوام على الأقل ويحتاج إلى استثمارات ضخمة.
أما عن التحركات الخارجية لموسكو مؤخراً ، فعلى الرغم من الحديث عن التقارب الاستراتيجي بين طهران وموسكو إلا أن الأخيرة لم تقدم الدعم الكافى لإيران فى الحرب ضد إسرائيل ، وذلك على الرغم من الإسناد الاقتصادي – وربما العسكري – الذى تلقته موسكو من جانب ايران فى للحرب ضد كييف وتشير بعض التقديرات أن موسكو تفتقر الإرادة السياسية والأدوات الكافية للتدخل فى موازين القوي بالشرق الأوسط . وفيما يتعلق بتطوّرات الملف النووي الإيرانى أشار موقع “أكسيوس” إلى قيام “بوتين” بحث طهران على قبول اتفاق نووي مع أمريكا على أساس “تخصيب بنسبة صفر” ، وأكد الموقع أن الرئيس ” بوتين” يدعم وقف تخصيب إيران لليورانيوم بشكل الكامل ، وأن طهران قد أبلغت موسكو رفضها مناقشة وقف تخصيب اليورانيوم. كما التقى وزير الخارجية الروسي ” لافروف ” مع نظيره التركي على هامش قمة ” بريكس ” فى البرازيل ، وبحثا عدة ملفات من أهمها مستجدات الشرق الأوسط ، وكذلك التوترات فى جنوب القوقاز وتتحسب موسكو لتنامي العلاقات الدفاعية بين تركيا وأذربيجان ، أخذا فى الاعتبار أن كل من روسيا وتركيا قد سبق أن عرضا تخزين اليورانيوم الإيراني علي أرضيهما ، تجنباً لسباق نووي أو تجدد المواجهات بين طهران وتل أبيب . كما يقوم ” لافروف ” حالياً بجولة آسيوية تضم كوريا الشمالية ثم الصين .
