وقعت الكونجو الديمقراطية ورواندا اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة للمساعدة في إنهاء القتال الذى تواصل عبر عقود في شرق الكونجو الديمقراطية، ووساطة واشنطن ليست تحت شعار ” لله ، ولخدمة البشرية ” بقدر ما يمنح الاتفاق الحكومة الأمريكية وشركاتها مزايا تنافسية فى الوصول إلى المعادن الحيوية في المنطقة ، وقد صرّح الرئيس ترامب -في مؤتمر صحفي – بأنه تمكن من التوسط في صفقة لواحدة من أسوأ الحروب على الإطلاق، كما حصل للولايات المتحدة على الكثير من حقوق المعادن من الكونجو الديمقراطية، في حين وصف ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، الخطوة بأنها لحظة مهمة بعد 30 عامًا من الحرب ، وهو ما يتسق مع التقديرات التى تُرجح أن واشنطن تركز بصفة أساسية على تعظيم المنافع الإقتصادية لها فى شرق الكونجو ، وتتوقع تقديرات إعلامية أن يسفر الإتفاق عن تمهيد الطريق أمام إستثمارات أمريكية كبري فى مجالات الطاقة والتعدين ، لاسيما وأن واشنطن تسعي إلى تقليل إعتمادها علي سلاسل التوريد التى تسيطر عليها الصين؛
هذا، وتعد شرق الكونجو منطقة استراتيجية نظراً لإمتلاك الكونجو الديمقراطية ٨٠٪ من الاحتياطات العالمية لمعدن ‘ الكولتان ‘ المستخدم فى صناعة المفاعلات النووية ، وترتكز غالبية هذه الثروة فى الجزء الشرقي من الكونجو ، وقد قام إريك برينس – أحد مؤيدي الرئيس ترامب ومؤسس شركة بلاك ووتر – بالإتفاق مع الحكومة الكونجولية مؤخراً للدخول فى شراكة بقطاع المعادن الحيوية ؛ بالتوازي مع اهتمام روسي ملحوظ بمشروعات الطاقة فى دول المنطقة ، ووقعت موسكو مؤخراً اتفاقية مع جمهورية الكونجو لبناء خط أنابيب يمتد من ميناء ” بوانت نوار ” إلى العاصمة ‘ برازافيل ‘ .
وعلى صعيد التقديرات الدولية والإعلامية للاتفاق الذى تم توقيعه فى واشنطن ، فقد سارع البعض بالترويج إلى ذلك الاتفاق بإعتباره خطوة سلام مهمة ، وهو ما ظهر فى حديث بينتو كيتا، رئيسة بَعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونجو الديمقراطية، إن توقيع الكونجو ورواندا على مشروع اتفاق السلام يُعد خطوة كبيرة إلى الأمام نحو إنهاء الصراع فيما تريث البعض الآخر واعتبر إنها خطوة ضمن جهود متواصلة نحو السلام فى المنطقة ، حيث أوضح السفير الرواندي لدى مجلس الأمن أنه على الرغم من أن الطريق لا يزال طويلًا، إلا أن الطريق إلى سلام دائم في منطقة البحيرات العظمى أصبح واضحًا الآن أكثر من أي وقت مضى، وكذلك جاء التناول الإعلامي الإقليمي متوازناً إلى حد كبير، إذ أشار ‘ محمد تورشان ‘ الباحث المتخصص فى قضايا الصراعات والأمن فى أفريقيا ، فى تصريح لصحيفة’ الشرق الأوسط’ أن مخرجات التفاهمات بين رواندا والكونجو الديمقراطية فى واشنطن تُعد بمثابة إتفاق تاريخي قد ينهي فصولا من الصراع الذى استمرّ لعدة سنوات .
قد يكون الإتفاق فرصة لتحقيق السلام والاستقرار فى إقليم يعاني من صراعات طويلة الأمد ، إلا أن نجاح ذلك الاتفاق يعتمد فى الأساس على جدية وإلتزام كافة الأطراف ويترقب المجتمع الدولى إمكانية توقيع اتفاقية بين الحكومة الكونجولي وحركة M23 المتمردة ، خاصةً أن رواندا قد أعلنت فى ٧ يونيو ٢٠٢٥ إعتزامها الإنسحاب من المجموعة الإقتصادية لدول وسط أفريقيا ” إيكاس ” ، وتشكل دول تلك المجموعة ٢٠،٤ ٪ من مساحة القارة الأفريقية وتُقدر احتياطات النفط المؤكدة لدول الإيكاس بنحو ٣١ مليار برميل أى بنسبة ٢٨٪ من إجمالي إحتياطات أفريقيا . كما اتخذ “جوزيف كابيلا” الرئيس الكونجولي السابق موقفاً معارضاً ووصف الاتفاق بأنه ليس أكثر من إتفاقية تجارية وأن بلاده لم تكن فى حالة حرب مع الدول التى ظهرت فى صورة التوقيع .
يمكن القول أن ذلك الاتفاق لم يمنع مسئولى بعض الدول الأوروبية – المهتمة بالشأن الأفريقي- من الإفصاح عن تخوفاتهم من مساعى الإدارة الأمريكية التوصل لإتفاق سلام بصورة متسرعة علي نهج الصفقات التجارية دون معالجة حقيقية للأسباب الجذرية لهذا الصراع الأمر الذي يشجع فرنسا على التفكير فى تنظيم مؤتمر حول الأوضاع الإنسانيّة بإقليم البحيرات العظمي فى القريب العاجل . كما يلاحظ أن الاتفاق لم يكن حائلاً دون استمرار تبادل الاتهامات بين الأطراف المتصارعة ، فقد ذكرت ممثلة الكونجو الديمقراطية لدى مجلس الأمن أن الوضع الأمني شرق البلاد لا يزال يتسم باستمرار العدوان الرواندي؛ إذ لا يزال المدنيون يعانون من المجازر، واغتصاب النساء والفتيات الصغيرات، والتجنيد القسري للشباب، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدُّوَلي، وأشار متمردو حركة «إم 23» إلى أن الاتفاق لن يكون مُلزمًا للحركة؛ إذ لم تُشارك بشكل مباشر في اتفاق السلام المُزمع، على الرغم من مشاركتها في محادثات سلام أخرى جارية، وهو ما يوحي بأن المواقف مازالت متباعدة علي الرغم مما جاء على لسان وسطاء الإتفاق إذ مازالت التحديات قائمة وعبر عنها كريستيان موليكا، الخبير السياسي في مركز ديبول البحثي الكونجولي ، الذى وصف الاتفاق بأنه “نقطة تحول رئيسية”، لكنه لن يحل بأي حال من الأحوال جميع قضايا الصراع؛
فى سياقٍ موازٍ، تشهد الفترة الحالية تنامي نفوذ ‘ داعش ‘ وقدراته العملياتية فى شرق الكونجو ، إذ يعمد التنظيم إلى تفعيل خلاياه الكامنة فى شرق الكونجو من خلال الفرع الإقليمي المسمي بتنظيم ‘ ولاية وسط أفريقيا ‘ فى أوغندا ، وهو ما يمثل تهديداً أمنياً متنامياً لأقاليم القارة السمراء التى تشهد نشاطاً لولاية غرب أفريقيا وولاية الصومال وكذلك تنظيم داعش فى الصحراء الكبري وفروع التنظيم الإقليمية .