رغم اختلاف شكل الامتحانات وتطوير آليات التقييم عامًا بعد عام، تتجدد شكاوى طلاب الثانوية العامة من صعوبة الأسئلة، وهو ما يطرح تساؤلات دائمة حول مصدر هذه الشكاوى وأسباب تكرارها. وفي هذا السياق، قدّم الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس والتقويم التربوي بكلية التربية – جامعة عين شمس، تحليلًا علميًا يفسر الظاهرة من أبعاد متعددة، تتجاوز مجرد طبيعة الامتحان نفسه.
أوضح شوقي أن ضخامة عدد طلاب الثانوية العامة، الذين يتجاوزون سنويًا 750 ألف طالب، يجعل من المستحيل الوصول إلى اتفاق عام على مستوى صعوبة أي امتحان، حيث تختلف القدرات الأكاديمية والمعرفية من طالب إلى آخر، وتبقى الصعوبة أمرًا نسبيًا.
وأشار إلى أن بعض الطلاب قد يعبّرون عن شكاوى تتعلق بصعوبة الامتحان بدافع نفسي، في محاولة لتبرير الإخفاق أمام الأسرة، معتبرين أن المشكلة في الامتحان وليس في التحصيل أو الاستعداد الشخصي. كما لفت إلى أن الامتحان الذي يعتبره بعض الطلاب صعبًا هو الذي يحرمهم من الحصول على الدرجة النهائية فقط، بينما يراه آخرون صعبًا إذا عجزوا عن الإجابة على غالبية الأسئلة.
وأكد أن من بين الأسباب المتكررة لتلك الشكاوى أيضًا، اعتماد عدد من الطلاب على توقعات معلمي الدروس الخصوصية، والتدريب المكثف على أسئلة بعينها، ما يؤدي إلى الإحباط عند غياب تلك الأسئلة عن الورقة الامتحانية، ويدفع بعض المعلمين إلى إثارة الجدل حول صعوبة الامتحان بهدف التنصل من المسؤولية أمام أولياء الأمور.
كما أشار شوقي إلى أن إدخال أفكار جديدة في بعض الأسئلة بامتحانات الثانوية العامة يُعد مطلوبًا تربويًا، إذا تم ذلك بنسب مدروسة، لكنه قد يفاجئ بعض الطلاب الذين اعتادوا أنماطًا تقليدية في التقييم. وأكد أيضًا أن بعض واضعي الامتحانات قد يصيغون أسئلة من منطلق فهمهم العميق للمادة، دون مراعاة الفروق بين مستوى المعلم والطالب، مما يجعل بعض الأسئلة تتجاوز قدرة الفهم المعتادة لدى الطلاب.
وأضاف أن بعض نماذج الأسئلة قد تتضمن بدائل متقاربة تشتت الطالب، خصوصًا ضعيف المستوى، وهو أمر مقبول تربويًا بشرط عدم تكرار المعنى أو تشابه الإجابات بشكل يربك المتلقي.
واختتم شوقي حديثه بالتأكيد على أن الشكوى وحدها لا تكفي للحكم على صعوبة أي امتحان، مشيرًا إلى أن التقييم العلمي يتم من خلال تحليل إحصائي لنتائج الطلاب على كل سؤال، باستخدام ما يُعرف بـ”معامل صعوبة السؤال”. وإذا ثبت أن السؤال تجاوز الحدود التربوية المقبولة، يتم استبعاده وتوزيع درجاته على باقي الأسئلة، وهو إجراء تتبعه الوزارة بعد كل امتحان لضمان العدالة في التقييم.
وأشار إلى أهمية هذه الآلية بوصفها الضمان الحقيقي لتصحيح أي خلل، بعيدًا عن الانطباعات العامة أو الحملات الإعلامية، مؤكدًا أن تحليل النتائج يظل الوسيلة العلمية الوحيدة لقياس كفاءة وجودة الأسئلة.