في قلب المشاعر المقدسة، وعلى بُعد 22 كيلومترًا جنوب شرق مكة المكرمة، ينتصب جبل صغير في حجمه، عظيم في شأنه، يشهد أحد أعظم شعائر الإسلام: الوقوف بعرفة. هو “جبل عرفات”، أو كما يُطلق عليه بعض الحجاج: “جبل الرحمة”، المكان الذي يقف عليه الملايين كل عام بأكفٍ مرفوعة وقلوبٍ واجفة، يستجلبون الرحمة والمغفرة في أعظم يوم في السنة.
لكن وسط قدسية هذا الموقف، يطرح سؤال نفسه: لماذا سُمّي جبل عرفات بهذا الاسم؟ وما سر هذه التسمية التي ترافقه منذ قرون؟
تعددت الروايات.. والعبرة واحدة
رغم أنه لا يوجد حديث صحيح يُحدّد بشكل قاطع سبب التسمية، إلا أن كتب التاريخ والسير حافلة بروايات شاعت وتناقلها المسلمون على مر العصور:
1. آدم وحواء.. لقاء بعد الفُرقة
تقول إحدى الروايات إن آدم وحواء، بعد أن أُهبطا من الجنة، ظلّا يبحثان عن بعضهما حتى التقيا على جبل عرفات، فـ”تعارفا” هناك، ومن هنا جاء الاسم. وبين هذه القصة الرمزية والمعنوية، يبقى المكان شاهدًا على لقاء أول اثنين من البشر في أول بقعة اجتمعا فيها على الأرض.
2. جبريل وإبراهيم.. “أعرفت؟”
رواية أخرى تشير إلى أن جبريل كان يُعلّم النبي إبراهيم عليه السلام مناسك الحج، وعندما وصله إلى هذا الموضع قال له: “أعرفت؟” فقال إبراهيم: “عرفت”، فسُمي الموضع “عرفة”، والجبل بـ”جبل عرفات”.
3. موضع التلاقي والتعارف
رأي ثالث يرى أن التسمية ترمز إلى اجتماع الناس من كل فج عميق، واختلاط الجنسيات واللغات، فـ”يتعارفون” فيه، وكأن هذا الجبل يجمع شتات الأمة ليعيد تآلفها وتوحّدها على كلمة “لبيك اللهم لبيك”.
4. لأن فيه تُعرف الذنوب ويُطلب العفو
ومن التفسيرات الروحانية، أن الناس يُعرّفون أنفسهم بذنوبهم لله في هذا اليوم، فيعترفون بها ويتوبون، ويُرجى لهم العفو والمغفرة، فهو موطن التعارف بين العبد وربه، لا بين بشرٍ وبشر فقط.
ليس مجرد جبل
جبل عرفات ليس جبلًا شاهقًا، إذ لا يتجاوز ارتفاعه 300 متر، لكن قيمته الإيمانية تعلو كل القمم. الوقوف فيه ركن لا يتمّ الحج بدونه، ومن فاته الوقوف في عرفة من ظهر يوم التاسع من ذي الحجة حتى غروب الشمس، فاته الحج.
منظر الحجيج وهم واقفون في هذا الموضع، بثياب الإحرام البيضاء، بلا تمييز بين جنس أو لون أو لسان، لا يملك من يشهده إلا أن يشعر بعظمة الموقف وسمو المعنى.