فى خطوة مغايرة لما عهدناه من مواقف بريطانية علي صعيد القضية الفلسطينية ، أعلَنت لندن تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة الجديدة مع تل أبيب ، احتجاجاً على تصاعُد العمليات العسكرية وتدهوُّر الأوضاع الإنسانية فى غزة، وقامت الخارجية البريطانية بإستدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن لإبلاغها رسميًا بذلك التحرك ، الذى جاء متأخراً لعقود.
هذا ، ويمكن القول أن المسلك البريطاني الجديد يشير إلي إصطفاف مسئولي حزب العمال فى لندن فى خانة ليست بعيدة عن القانون الدولى الإنساني ، إذ اعتبر رئيس الوزراء ” ستارمر ” كمية المساعدات الإنسانية التي تسمح بها إسرائيل غير كافية إطلاقًا ، فى حين وصف وزير الخارجية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها إهانة لقيم الشعب البريطاني .
وتزامن القرار مع فرض عقوبات جديدة تستهدف مستوطنين ومنظمات استيطانية في الضفة الغربية متورّطة في التحريض أو ممارسة العنف ضد الفلسطينيين، ويتردد أن الحكومة البريطانية تعتزم -مع دول أخرى -فرض عقوبات على مسؤولين إسرائيليين من بينهم وزراء المالية، والأمن القومي، والدفاع فى حكومة اليمين المتطرف .
تعكس الخطوة التى إتخذتها لندن غضباً أوروبياً – لم يُعد مكتوماً- وتزامنت مع تحرُّكات أوروبية أخرى لمراجعة العلاقات مع إسرائيل، وبِدء الاتحاد الأوروبي مراجعة اتفاقية الشراكة، وهو ما يأتي إتساقاً مع تصاعُد الغضب الدولي من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة؛ حيث حذّرت كندا من اتخاذ إجراءات في حال استمرار الحرب.ما
كما أعرب مسؤولون أمريكيون عن إحباطهم تجاه إسرائيل، قائلين إنها «الوحيدة التي لا تعمل من أجل التوصُّل إلى اتفاق شامل»، وهو ما ينطبق عليه المثل القائل صمت دهراً ولكنه لم يضف لنا شيئاً محورياً ، فقد أصابنا حالة أشبه بالكفر بالمجتمعين الدولى والأممي ، فلم ينصفا أصحاب الأرض ولم يقفا في وجه إنتهاكات ممنهجة تتكرر لعقود.
هذا، وتشير تقديرات إعلامية ودبلوماسية إلى تعليق مفاوضات التجارة الحرة البريطانية مع إسرائيل بإعتباره يمثل تصعيدًا دبلوماسيًّا غير مسبوق ، ويعكس تزايد عزلة الحكومة الإسرائيلية حتى بين حلفائها التقليديين. كما ذهب البعض إلى الجزم بأن الإنتهاكات الإسرائيلية قد أحرجت الحلفاء ، وفى مقدمتهم بريطانيا التى تجد نفسها مضطرة للمجاهرة بالدعوة إلى وقف التصعيد، حتى لا تخسر القليل المتبقي من حضورها التقليدي فى العالمين العربي والإسلامي .
ويشار هنا إلى ما ذكرته وكالة “سي إن إن” الإخبارية فى تغطيتها اليومية لتطورات الأوضاع الميدانية والإنسانية فى غزة، والتأكيد على أن ” ترامب” يريد التوصل لاتفاق في غزة لكن “نتنياهو” غير مستعد، وأن إحباط “ترامب” من “نتنياهو” بدأ حتى قبل أن تتخذ الحرب منعطفًا مميتًا هذا الأسبوع. كما نوهت بتقديم المبعوث “ويتكوف” مقترحًا جديدًا قد يشكّل أساساً لموافقة الطرفين على وقف إطلاق النار، وأن واشنطن تريد استمرار تدفق المساعدات إلى غزة، وهو ما وافقت عليه تل أبيب.
إجمالاً، يُظهر القرار البريطاني تغُيرًا نوعيًّا في استخدام أدوات السياسة الخارجية الاقتصادية كوسيلة ضغط إنساني وسياسي، وربما يُشجّع دولًا غربية أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، خاصة وأن صبر المجتمع الدولي على الإنتهاكات الإسرائيلية لم يمنع حكومة الإحتلال من التمادي فى التصرفات الوقحة ، وأوردت جريدة الشرق الأوسط خبراً مفاده إطلاق القوات الإسرائيلية الرصاص الحي تجاه “وفد دبلوماسي” ضم سفراء وقناصل دول عربية وأجنبية، عند مدخل مخيم جنين للاجئين ، وزعم جيش الإحتلال أن إطلاق النار كان بسبب انحراف الوفد عن مساره ( وكأن الوفد أمعن فى إستخدام المنحة التى تسمح له بالتحرك فتجرأ بالتحرك خطوة إضافية يميناً وليست يساراً )، ويبدو أن حكومة الإحتلال لديها قدر من الحظ ، فالواقعة لم تسفر عن إصابات ، وإذا حدث عكس ذلك لأسهمت فى مزيد من الضرر لصورة دولة الإحتلال التى تتكشف للحلفاء بصورة تضطرهم لبذل خطوات غير تقليدية لتخفيف الحرج أمام مجتمع دولي يحرص على المتابعة اليومية لكل ما يتعلق بفلسطين وأصحاب الأرض.