في ظل تزايد التحديات النفسية التي يواجهها الأطفال والشباب في العصر الرقمي، تتصاعد أهمية البحث عن وسائل مبتكرة تدعم الصحة النفسية لهم، لاسيما في المراحل العمرية الأولى التي تتشكل فيها شخصية الطفل وتوازنه النفسي. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن واحداً من كل سبعة أطفال ومراهقين يعاني من أحد اضطرابات الصحة النفسية، مما يفرض على المجتمعات مسؤولية متزايدة لتوفير أدوات فعالة للتعامل مع هذه القضايا.
العلاج بالألعاب الرقمية
وفي هذا السياق، يبرز “العلاج بالألعاب الرقمية” كأداة حديثة ومؤثرة، تجمع بين الترفيه والتعليم والدعم النفسي، خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة. إذ تتيح هذه الألعاب للأطفال تجربة محاكاة لمشاعرهم ومخاوفهم، وتساعدهم على فهم ذواتهم والتعامل مع مشكلاتهم بطريقة غير تقليدية.
ومن داخل أروقة جامعة مصر للمعلوماتية، تظهر مبادرات لافتة في هذا الاتجاه من خلال مشروعات تخرج طلاب كلية الفنون الرقمية والتصميم، التي تجمع بين الفن والتكنولوجيا والوعي المجتمعي.
لعبة “الفوضى الواعية”
الطالبة سلمى ياسر، بالفرقة الرابعة، طورت لعبة رقمية تحمل اسم “الفوضى الواعية” لمساعدة الأطفال والمراهقين المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD). استندت اللعبة إلى بحث علمي أجرته الطالبة حول هذا الاضطراب، بهدف تصميم تجربة محاكاة تسمح للمستخدمين باستكشاف كيف يشعر ويعيش الشخص المصاب بـ ADHD، من خلال التنقل في بيئة مليئة بالمشتتات والتحديات المشابهة لما يواجهه المصابون في الواقع.
اللعبة تنقسم إلى أربع مستويات بصرية تحاكي المراحل المختلفة لتقلبات الاضطراب، باستخدام ألوان داكنة لتعكس الارتباك النفسي، وألوان الباستيل في لحظات الإبداع والتركيز. وقد استوحت سلمى أسلوب تصميم الشخصيات من سلسلة “Arcane” الشهيرة، مما أضفى على اللعبة طابعاً بصرياً غنياً وديناميكياً.
“رفيق”.. لعبة تحفّز التغلب على مخاوفهم النفسية
في مشروع آخر مميز، صممت الطالبة زينة عصام لعبة إلكترونية باسم “رفيق”، وهي موجهة للأطفال من عمر 7 إلى 12 سنة، تهدف إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتشجيعهم على مواجهة المخاوف النفسية المرتبطة بفقدان الأحبة، الغرباء، المرتفعات، أو حتى الأدوات الحادة. وتدور أحداث اللعبة حول طفل يُدعى “رفيق”، يجد نفسه فجأة في عالم سريالي بعد فتح كتاب سحري تركه له والده الراحل. يتحول فيه إلى دمية خشبية ويبدأ رحلة رمزية عبر عوالم تمثل كل منها نوعًا من المخاوف النفسية.
تصميم اللعبة جمع بين السرد التفاعلي، والموسيقى التصويرية الموترة، والتفاصيل البصرية التي تخلق بيئة غامرة، تساعد الطفل على التفاعل النفسي والعاطفي مع القصة. كما أن اللعبة تتدرج في مستوياتها الأربعة: من المكتبة (الخوف من المرتفعات)، إلى السيرك (الخوف من الغرباء)، فالمقبرة (الخوف من الموت)، ثم المطبخ أو متجر الألعاب (الخوف من الأدوات الحادة).
وفي لفتة تعكس تميز الطلبة، فازت الطالبة زينة عصام مؤخرًا بجائزة المركز الأول في مسابقة هيئة البريد المصري لتصميم طابع بريدي مخصص عن مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، مما يعكس وعيها المجتمعي واهتمامها بقضايا الأطفال والعدالة الاجتماعية.
إن مشروعي “الفوضى الواعية” و”رفيق” يعكسان نموذجًا ملهمًا للدمج بين الفن والتكنولوجيا في خدمة قضايا الصحة النفسية للأطفال، ويؤكدان أن الاستثمار في تعليم رقمي مبدع وواعي قادر على تشكيل جيل جديد من المصممين والمطورين القادرين على بناء مستقبل رقمي أكثر تعاطفًا وتأثيرًا.