تستحوذ الأزمة بين الهند وباكستان على إهتمامٍ واسع فى كوكبنا الهادىء الوديع ، وبينما يترقب المجتمع الدولي ما قد تؤول إليه العلاقات السياسية بين الجارتين ، أعلن الرئيس ترامب عن نجاحه فى التأثير على دلهي وإسلام أباد ودفعهما بإتجاه وقف فوري لإطلاق النار، ونشر الرئيس الأمريكي تدوينه جاء فيها “بعد ليلة طويلة من المحادثات التي توسطت فيها واشنطن ، يُسعدني أن أعلن أن الهند وباكستان قد وافقتا على وقف إطلاق نار كامل وفوري، مبروك لكلا البلدين لاستخدامهما الفطرة السليمة والذكاء العظيم” .
كما أشاد وزير الخارجية الأمريكي بقرار وقف إطلاق النار وفتح قنوات للحوار ، وأعادت باكستان فتح مجالها الجوي أمام جميع أنواع الرحلات، ثم أعلنت الهند عن جولة للمفاوضات فى ١٢ مايو لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار، وتفعيل قنوات الإتصال العسكري، ومع ذلك إستمرت التصريحات السلبية المتبادلة بين مسئولي البلدين.
هذا، وقد تناولت صحيفة “الغارديان” أول أمس تصريحات لنائب الرئيس الأمريكي ” دي فانس “مضمونها أن الأزمة الراهنة بين الهند وباكستان ليست من شأن الولايات المتّحدة على الإطلاق، وأنّ واشنطن تتطلع وتتوقع عدم تفاقم هذا الوضع إلى حرب إقليمية أوسع نطاقًا، وأنّ بلاده ستواصل السعي إلى حل هذه المسألة عبر القنوات الدبلوماسية، وفي حين ركزت رويترز على تغطية انفجار في مدينة لاهور، فقد أشارت ” سي إن إن” نقلًا عن مصدر أمني باكستاني أن معركة الطائرات المقاتلة الباكستانية والهندية الأخيرة كانت واحدة من أكبر وأطول المعارك في تاريخ الطيران الحديث.
ولم تكن جهود الوساطة قاصرة علي واشنطن ، بل تدخلت عدة عواصم تتمتع بعلاقات طيبة بالجانبين ( الرياض ، طهران ، أنقرة، أبو ظبي ) فضلاً عن مساعي وزير الخارجية الأمريكي لتهدئة الأوضاع السياسية والعسكرية بين البلدين وتواصله مع كل من رئيس الحكومة وقائد الجيش الباكستاني ، تزامناً مع إطلاق باكستان عملية عسكرية واسعة أطلقت عليها إسم ” بنيان مرصوص” ردًّا على الهجمات الهندية الأخيرة، وقد استهدف الجيش الباكستاني خلال العملية منشآت عسكرية استراتيجية داخل الأراضي الهندية، أبرزها قاعدتا “أودامبور” و”باثانكوت”، ومنشأة صواريخ “براهموس”، وفقًا لقناة «بول نيوز» الباكستانية. وفى حين أكدت دلهي الهجوم إلا أنها نفت وقوع أضرار كبيرة، والتأكيد على أن قواعدها العسكرية تعرضت لهجوم عبر الحدود من قبل باكستان، لكنها رفضت مزاعم الأخيرة بشأن وقوع أضرار جسيمة.
هذا ، وقد تمثل رد فعل الهند فى شن غارات دقيقة استهدفت قواعد جوية ومنشآت عسكرية وموقع رادار باكستاني في القطاع الغربي، ردًا على هجمات الطائرات المسيّرة الباكستانية. فى المقابل إتجهت إسلام أباد إلى تصعيد سيبراني واسع النطاق ،وأفادت قناة «بول نيوز» بأنه تم اختراق العشرات من المواقع الحكومية والخاصة في الهند ، مما تسبب بتعطيل نحو 70% من شبكة الكهرباء وتأثر إمدادات الطاقة، وعلى الرغم مما تردد حول اتصالات عسكرية مباشرة بين الطرفين وفقاً لوسائل إعلام محلية ودولية تناولت إجراء مسؤولين عسكريين من الجانبين اتصالات مباشرة لمناقشة التصعيد والبحث عن قنوات اتصال لتقليل التوتر.
بناءً على ما تقدم ، وعلى الرغم من استمرار المناكفات بين الجارتين ، إلا أن المناوشات السيبرانية تعد من أبرز ملامح التوترات بين دلهي وإسلام أباد ، وظهورها كأداة مؤثرة ، بصفة خاصة فى أعقاب واقعة “باهالجام”، حيث ادعت مجموعة تهديد باكستانية تمكنها من إختراق مواقع ترتبط بقطاع الدفاع الهندي؛ وهو تطوُّر يؤكِّد الدور الذي تضطلع به النشاطات السيبرانية خلال الأزمات الدولية، ولم يقتصر الأمر على مجموعات التهديد الباكستانية؛ فقد سبق أن شنَّت مجموعات هندية هجماتٍ في أواخر إبريل الماضي، واستهدفت خلالها مؤسسات باكستانية، مثل “بنك حبيب”، و”جامعة بلوشستان”.
كما أن تصاعد الأزمة بين الهند وباكستان لم يخلو من السجال الدبلوماسي ، فقد نقلت صحيفة ” تايمز أوف إنديا” ما تطرقت إليه سفارة الهند في واشنطن بأن دلهي تمتلك أدلة على تورط جماعات إرهابية باكستانية في هجوم “جامو وكشمير” الذي أودى بحياة 26 مدنيًا. كما تنتقد عدم تحرك السلطات الباكستانية واتهامها بنشر معلومات مضللة، وأن العمليات العسكرية الهندية كانت محدودة واستهدفت مواقع “إرهابية” فقط، مع تجنّب المنشآت المدنية والعسكرية الباكستانية. كما ذكرت الصحيفة أن الهند قد أبلغت الولايات المتحدة بالخطوات المتخذة من جانبها تأكيدًا على شفافيتها وتعاونها الدولي ضد الإرهاب، وأن دلهي تؤكد أولوية أمن مواطنيها واستعدادها للحوار بشرط التزام باكستان بمكافحة الإرهاب بجدية ، ويلاحظ أنه على الرغم من الإعلان عن وقف إطلاق النار إلا أن التصريحات الصادرة عن حكومة الهند تشير إلي استمرار تعليق اتفاقية مياه السند .
كما يلاحظ أن مواقف القوي الدولية والإقليمية تأرجحت ما بين داعم لدلهي وأخري تدعم إسلام أباد، فقد سبق أن أعربت وزارة الخارجية الصينية عن “أسفها” تجاه الهجمات الهندية على باكستان وكشمير الخاضعة لإدارتها، داعية الجانبين إلى التهدئة وتجنب مزيد من التصعيد العسكري في المنطقة. كما أعرب وزير الخارجية التركي عن قلق بلاده العميق إزاء “العدوان الهندي غير المبرر وانتهاك السيادة الباكستانية”، مؤكدًا تضامن تركيا الكامل مع باكستان ( أعلن الجيش الباكستاني إسقاط ٦ مسيرات -إسرائيلية الصنع – في قري هندية) ، وقد يكون التدخل الأمريكي – المفاجيء – بعد فترة سكون – وعدم إكتراث – كمسعي لإحتواء ما حققه الدعم العسكري الصيني من ترجيح لكفة باكستان ، وهو ما قد يمثل فى نفس الوقت إنتقاصاً من سمعة السلاح الأمريكي والغربي فى الأسواق الخارجية .
وفيما يتعلق بردود الفعل الدولية والأممية على قرار وقف إطلاق النار ، بصرف النظر عن استدامته من عدمه ، رحبت الأمم المتحدة ممثلة فى ” أنطونيو غوتيريش” الأمين العام للأمم المتحدة، بجهود تهدئة التوتر بين الطرفين. كما صرّح نائب المتحدث الأممي بأن المنظمة تراقب الوضع وتدعم كل المبادرات الهادفة إلى خفض التصعيد.
كما رحبت كل من مصر والإمارات بوقف إطلاق النار بين البلدين، مشيدًا بجهود الرئيس الأمريكي في دعم هذا الاتفاق، ومعبّرًا عن ثقته في حرص البلدين على الالتزام بوقف إطلاق النار بشكل دائم، ورحبت السعودية أيضاً باتفاق وقف إطلاق النار، معربةً عن أملها في أن يسهم في استعادة الأمن والاستقرار، وأشادت بضبط النفس والحكمة من الجانبين ( قام عادل الجبير وزير الدولة للشئون الخارجية بزيارة دلهي وإسلام أباد يومي ٨ و٩ مايو ).
هذا ، وقد أشادت بريطانيا على لسان “ديفيد لامي” وزير الخارجية بهذه الخطوة، داعيًا الطرفين إلى الاستمرار في تهدئة الأوضاع لما فيه مصلحة جميع الأطراف . كما رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بإعلان اتفاق وقف إطلاق النار ، مؤكدًا أهمية استثمار هذه الفرصة لخفض التوترات وتحقيق السلام المستدام ، وأكدت وزارة الخارجية التركية على أن الاستقرار في جنوب آسيا يتطلب حواراً دائماً يشمل ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب ، ووصفت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وقف إطلاق النار بأنه خطوة مهمة لخفض التصعيد، نوشدّدت على ضرورة ضمان تنفيذه الكامل.