قضت محكمة جنايات دمنهور، الدائرة الأولى، المنعقدة في محكمة إيتاي البارود، اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025، بالسجن المؤبد لمدة 25 عامًا على المتهم “ص.ك” (78 عامًا)، مراقب مالي بمطرانية البحيرة، بعد إدانته بهتك عرض طفل يبلغ من العمر 6 سنوات داخل مدرسة خاصة في مدينة دمنهور يدعى ياسين.
تغيرات الطفل ومصارحة للأم
الحكم جاء بعد معركة قانونية استمرت أكثر من عام، بدأت في فبراير 2024، عندما تقدم والد الطفل العائد من دولة الإمارات ببلاغ رسمي إلى نيابة دمنهور، اتهم فيه المتهم بالاعتداء الجنسي على ابنه، عقب ملاحظته تغيرًا مفاجئًا في سلوك الطفل ورفضه دخول الحمام، واعترافه لأمه بتفاصيل صادمة عن واقعة الاعتداء، على الفور قرر عرضه على طبيبين وأكدا تعرضه لاعتداء جنسي.
لجأ الأب إلى النيابة مباشرة بعدما ذهب إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بالواقعة، إلا أن المباحث رفضت ذلك بعدما استدعت المتهم ولم يتمكن الطفل من التعرف عليه، النيابة استجابت سريعًا، وأجرت تحقيقات موسعة شملت عرض الطفل على الطب الشرعي، الذي أكد وجود علامات جسدية ترجّح تعرضه لاعتداء جنسي، كما أجرت مواجهة للطفل مع صور العاملين بالمدرسة، فتعرف على المتهم.
المباحث ترفض قضية ياسين
رغم ذلك، رفض رئيس مباحث دمنهور حينها تحرير محضر رسمي بدعوى عدم كفاية الأدلة وتأخر الإبلاغ، ما دفع الأب للجوء مباشرة إلى النيابة التي تولّت التحقيقات، واستدعت الأطباء والشهود وأمرت بإجراء طابور عرض قانوني لاحقًا.
في مارس 2024، بدأت النيابة الاستماع إلى أقوال مديرة المدرسة وعدد من المدرسين الذين أكدوا أن المتهم كان يحضر يومي الإثنين والخميس فقط، وأن مكتبه يقع في مبنى إداري منعزل، مما أتاح له حرية الحركة بعيدًا عن الرقابة داخل المدرسة.
لكن المفاجأة الأكبر كانت في تأخر تحريات الشرطة حتى ديسمبر 2024، حيث حضر مفتش المباحث للمرة الأولى، وادعى أنه استلم منصبه مؤخرًا، ولم يتمكن من إثبات الواقعة أو نفيها بشكل قاطع، ما أضعف موقف التحقيق مؤقتًا.
ومع نهاية 2024، قررت النيابة إخلاء سبيل المتهم وحفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، لكن الأم تقدّمت بتظلم رسمي مطلع 2025 أعاد فتح الملف، لتبدأ مرحلة جديدة من التحقيقات التي حسمت القضية بالكامل
كيف حسمت النيابة القضية رغم تأخر التحريات؟
بعد التظلم الذي تقدّمت به أسرة الطفل، قررت النيابة إعادة فتح التحقيقات في يناير 2025، مستندة إلى الأدلة الطبية وتقرير الطب الشرعي الأول، وكذلك شهادة الطفل التي ثبت تكرارها بنفس التفاصيل، دون تضارب، ما أعطى أقواله قوة قانونية وفقًا لقانون حماية الطفل.
النيابة استعجلت تحريات المباحث مرة أخرى، وطلبت من وحدة الرعاية النفسية للطفل إجراء جلسات دعم نفسي وتقييم للسلوك، فجاء تقرير الأخصائيين ليؤكد أن الطفل يعاني من أعراض ما بعد الصدمة الناتجة عن “تعرضه لواقعة اعتداء جنسي من شخص موثوق داخل المؤسسة التعليمية”.
ياسين يتعرف على المتهم
كما أجرت النيابة طابور عرض قانوني حضره المتهم، وتمكن الطفل خلاله من التعرف عليه أمام شهود، وأصر على أنه هو من ارتكب الجريمة، قائلاً: “هو ده اللي عمل فيا كده في الحمام”.
بناءً على تلك المعطيات، قررت النيابة إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات بتهمة هتك عرض طفل لم يتجاوز عمره 18 عامًا بالقوة، وهي جناية يعاقب عليها القانون بالمؤبد أو الإعدام إذا اقترنت بظروف مشددة.
المحكمة تقتص لياسين
المحكمة نظرت أولى الجلسات في مارس 2025، وواجهت المتهم بكافة الأدلة، وأنكر ارتكابه الجريمة، مدعيًا أنه لم يلتقِ بالطفل لكن المحكمة اعتبرت إنكاره “محاولة للتنصل من فعل ثابت بأدلة طبية وقانونية”، وأكدت في حيثيات الحكم أن “سكوت الطفل لفترة لا ينفي الواقعة، خاصة أن خوف الضحية من المتهم وتأثير الصدمة النفسية يمنعانه من البوح المباشر”.
وفي جلسة اليوم 30 أبريل 2025، قضت المحكمة بمعاقبة المتهم بالسجن المؤبد لمدة 25 عامًا، مع إلزامه بالمصاريف الجنائية، مؤكدة أن “المتهم خان الأمانة الوظيفية، واستغل سلطته في مكان يفترض أنه ملاذ آمن للأطفال”.
بهذا الحكم، أغلقت المحكمة واحدة من أخطر قضايا الاعتداءات الجنسية داخل المدارس، وسط مطالبات واسعة من المجتمع المدني والحقوقيين بتشديد الرقابة داخل المؤسسات التعليمية، والتوسع في فحوصات الخلفية الجنائية للعاملين، حمايةً للأطفال من أي انتهاك مستقبلي.