لاعب كرة و موظف و مغني و ممثل و ملحن و منتج لأربعين فيلما و له ١٢٠٠ لحنا نصفهم ديني، سخر الفن لخدمة الدين و طورالتواشيح بان جعل لها نوتة موسيقية و فرق عازفين ، و تنوع بين الإنشاد و الغناء و السير و الملاحم و الأوبريتات، بعد ان تعلم في صباه في الشام الغناء العربي الأصيل و اللهجة البدوية و الموال، و غني لسير النبي محمد و السيد المسيح و إبراهيم الخليل، و لم يغن لزعيم قط ، إلا انه ادي ايضا اغاني وطنية. انشأ ثاني اكبر شركة انتاج افلام في ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي كرّسها لإنتاج افلام بدوية تمصيرا لقصص الفيلم خروجا علي اعتياد المقتبس انذاك، وصل لمنصب نقيب الموسيقيين، و تنازل عنه للموسيقار محمد عبّد الوهاب. حصل علي عدة أوسمة منها ماهو من ملك المغرب، بل و علي جائزة تمثيل و وسام العلوم و الفنون المصري من الطبقة الاولي و جائزة الدولة التقديرية، و منحه شيخ الأزهر لقب مداح الرسول عام ١٩٦٣ و كل ذلك قبل بدء موجة المد الديني منذ .السبعينات و تأثيره علي الفن و المجتمع
ولد محمد الكحلاوي في الشرقية و تيتم صغيرا ، فرعاه خاله المتداخل في الوسط الفني، و انضم الي فرقة عكاشة صبيا ككومبارس، حتي اكتشفوا قدرته علي الغناء، فاصطحبوه في رحلة الي الشام ، و تخلف هناك ثمان سنوات منذ كان ١٢ عاما من العمر، و عاد و قد كون ثروة ساعدته في بدء مشواره الفني بمصر ممثلا و ملحنا و مغنيا ثم منتجا سينمائيا، و اتضح من سيرته ميله للمبادرة و التجديد سواء في الغناء الديني و نوعية الانتاج السينمائي، او من قبل ذلك تركه لخاله و الاقامة و التعلم الموسيقي في الشام،و هو بعد في بداية المراهقة.
و لما بلغ من العمر الثلاثين تقدم للزواج من ابنة اسرة متدينة اعترضت في البداية علي اسلوب حياته في الوسط الفني، إلا انه دفع بانه خريج الأزهر و حافظ للقرآن، و تسامحت زوجته مع اسلوب حياته و سهراته، حتي أقنعته بالسفر للحج بدلا من لندن. يقال انه اصيب في أحباله الصوتية، حتي كان له رؤية في الحلم للرسول، اقتنع بتفسير لها انه سيشفي لو كرس فنه لخدمة الدين, و هو ما حدث وأشار اليه في أغنيته ” نوره دعاني”. فترك منزل الاسرة علي نيل الزمالك و زهد الحياة و الفن و شركة الانتاج ، و اقتصر علي الابتهالات و الاغاني الدينية، و بني مسجدا و اقام موائد الرحمن، و حفلت اغانيه بمعاني التوبة و الندم علي العصيان و التضرع للخالق و مدح الرسول و آله و صحبه ، و استشراف نوره و معجزاته بيقين الأولياء، و صحبته بإيمان جارف في خلواته و حجاته الأربعين، و بحب روحاني متصوف زاهد، يستغني عن متع الحياة و الخلق بالخالق. و هو ما انعكس علي حياته الاسرية مع زوجة وفية متفانية ، اخلص لها حتي وفاته، و اسماها ام الصابرين، و انجب منها سبعة اولاد و بنات، جمعهم بتربية دينية صارمة، فاجتهدوا و شغلوا مناصب مرموقة.
تبدو حياة الفنان محمد الكحلاوي مسيرة مبادرة و تجديد و ريادة و ابداع و مواهب متعددة، تفوق فيها تمثيلا و انتاجا و تلحينا و غناء، بل و كقائد فريق كرة قدم، مسيرة تحول من حياة آلهته وصفها بالعصيان و استدعت الندم و التوبة الي حياة طاعة و زهد و تعلق بالله و الرسول و تفاني في الخدمة الدينية، في وقت لم يكن الغناء الديني متطورا و مألوفا او مسايرة مربحة لموجة فنية مصاحبة لمد ديني. مسيرة تحول بإيمان حق عميق و محب و زاهد و معطاء تبدو كقدر خفي مكتوب لتحول قادم، عبر ما يظهر كإنه صدف في اكتشاف قدرته علي الغناء بديلا لمغني الفرقة الفنية الغائب، الي هربه صبيا الي الشام و تعلمه به، الي دور الزوجة و الرؤية في تحوله، الي تماهيه في العبادة و الزهد باختيار و حب و قناعة و عطاء و يقين باخلاص لمشاعره قولا و عملا،ظاهرا و باطنا، بما يقدم القدوة للمتدين الحق بلا ازدواجية و لا قهر و عنف، ذلك المتدين الملتزم بالقيم النابعة من ذاته الحريص علي العمل الطوعي و الخدمي و العطاء بتواضع و انكار للذات و حب غير مشروط، و بدعوي دينية تقدم القدوة في الصدق و التجرد؛ صدق يتجلي بفن مبادر و مجدد، فاحتفت به الدولة و بقي عبر السنين، يهدي من يريد ان يتدين بحب و صدق، يظهر في العمل و المعاملة.
د. هادي التونسي
طبيب و سفير سابق