أثارت تصريحات الدكتور محمد أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، حول تراجع أهمية الشهادات الجامعية كأول معيار في اختيار الموظفين في سوق العمل المحلي والدولي، ردود فعل متباينة بين من رأى فيها رؤية مستقبلية واقعية، ومن تحفظ عليها من منطلق أكاديمي.
وأشار عاشور خلال كلمته إلى أن الشهادة الأكاديمية أصبحت تحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة في متطلبات السوق، بينما تأتي المهارات المهنية والخبرة العملية في المرتبتين الأولى والثانية على التوالي، لافتًا إلى وجود نحو 170 مليون وظيفة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، مقابل اختفاء 92 مليون وظيفة بشكل كامل.
وأوضح الوزير أن وزارة التعليم العالي أدخلت تخصصات جديدة وطورت البرامج الدراسية بالكليات المختلفة، لتواكب احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي. وأشار إلى أن 39% من المهارات الأساسية المطلوبة للعاملين حاليًا ستتغير خلال السنوات القادمة، مما يستدعي تطوير 48% من مهارات الشباب المصريين، لا سيما في مجالات التفكير النقدي والإبداعي والوعي الذاتي، مؤكدا أن هناك عشر مهارات أساسية أصبحت مطلوبة في الخريجين الجدد.
وأكد وزير التعليم العالي أن مصر أصبحت مركزًا دوليًا للتعليم العالي، موضحًا أن هناك تراجعًا في الكفاءات عالميًا بنسبة 13%، بينما تتصدر مصر قائمة الدول في توفر وتطور الكفاءات.
وفيما يتعلق بفرص العمل المتاحة، أشار عاشور إلى وجود 20 مليون فرصة عمل للخريجين المصريين على مستوى العالم، موزعة على عدة مجالات منها التمريض، السياحة، المهن الحرفية والهندسية.
التصريحات التي جاءت خلال كلمته في إطلاق النسخة الثانية من مبادرة “كن مستعد” تحت شعار “مليون مبتكر مؤهل”، بحضور نخبة من الشركاء الدوليين والإقليميين، من بينهم منظمة العمل الدولية، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، ومعهد الابتكار العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أثارت نقاشًا واسعًا.
رأى البعض أن هذا الكلام غريب ام يصدر من وزير مسؤول عن التعليم الجامعي، فيما اعتبرها آخرون تصريحات تعكس واقعًا اقتصاديًا جديدًا يجب التعامل معه بمرونة.
إلا أن ما لم يُذكر بوضوح في التعليقات هو أن الوزير قد تناول في كلمته أبعادًا أوسع تتعلق بمستقبل الوظائف العالمية بحلول عام 2030، مشيرًا إلى نسب البطالة في مختلف أنحاء العالم وتحديده للمهارات المطلوبة في مجالات مختلفة، كما قدم شرحًا مفصلًا عن سوق العمل المتطور، مؤكدًا أن هناك حاجة إلى مهن تكنولوجية ومهنية بشكل كبير، بينما تتراجع بعض الوظائف التقليدية.
وأوضح الوزير أن التطور في احتياجات سوق العمل أصبح أسرع بكثير من قدرة تطوير البرامج الأكاديمية، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من جانب المؤسسات التعليمية والطلاب على حد سواء.
وفي هذا السياق، عرض الدكتور عاشور دور الحكومة في دعم هذه التحولات من خلال إنشاء 39 مركز توظيف موزعة على 30 جامعة حكومية، بالإضافة إلى خطة التوسع في الجامعات التكنولوجية والخاصة.
وفي عرض شامل للفرص الدولية، أشار إلى بعض الدول التي تشهد احتياجًا كبيرًا للوظائف، مثل إيطاليا التي تحتاج إلى مليون وظيفة، وألمانيا التي تحتاج إلى 6 ملايين، بالإضافة إلى رومانيا، التشيك، روسيا، كندا، وإنجلترا.
وأكد الوزير أن الخريج المصري يمتلك كفاءة عالية تؤهله للاستفادة من هذه الفرص، بشرط أن يتسلح بالتخصصات التكنولوجية والمهنية، إلى جانب إجادة اللغات الأجنبية.
وفي كلمته، أكد الدكتور هاني التركي، مدير مشروع المعرفة العربي ورئيس المستشارين التقنيين ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على رؤية وزارة التعليم العالي المصرية وكلمة الوزير مشددا على أهمية استحداث نظام موازٍ للتعليم لمواكبة تغيرات سوق العمل، مشيرًا إلى أن نحو 2.2 مليون طالب مصري يحرصون على التعلم عبر منصة كورسيرا.
كما عرضت الدكتورة سالي مبروك، مديرة مكتب المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، دوافع اهتمام المنظمة بتمكين الطلاب من مهارات الإبداع والابتكار، مؤكدة أن المستقبل يعتمد على هذه المهارات.
جدير بالذكر أن مبادرة “كن مستعدًا” أطلقت نسختها الأولى عام 2023، واستهدفت أكثر من 18 ألف طالب وطالبة من 20 جامعة حكومية مصرية، وحققت نجاحًا ملحوظًا في رفع جاهزية الخريجين لسوق العمل. النسخة الموسعة “مليون مبتكر مؤهل” تمثل خطوة استراتيجية نحو دعم التنمية المستدامة، وتعزيز موقع مصر كمركز إقليمي للابتكار.
في ظل عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لم تعد الشهادة وحدها جواز المرور إلى سوق العمل. بل باتت المهارات، والقدرة على التعلم المستمر، والإبداع، هي العُملة الأكثر رواجًا. وبينما تبقى الجامعات مصدرًا للمعرفة، فإن التحدي اليوم هو أن تتحول إلى مصانع للكفاءات والمهارات القادرة على بناء المستقبل.