تشغل المسائل المرتبطة بالرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي ” ترامب ” علي إهتمام الأوساط الدبلوماسية ووسائل الإعلام الدولية ، وأصبحت ردود الفعل الدولية علي قرارات ترامب الأحادية محور إهتمام متزايد من جانب الرأى العام الدولي وكذلك الرأي العام الأمريكي ، ومع إقتراب المائة يوم الأولى لترامب بدأ المجتمع الأمريكي يُدرك -متأخراً -أهمية متابعة الشأن الإقتصادي الداخلي والخارجي أيضاً، في ظل التداعيات المُحتملة من شن حرب تجارية قد تزلزل النظام الإقتصادي العالمي ، وتحذيرات خبراء الإقتصاد من أن الرسوم الجمركية سوف تؤدى إلى رفع أسعار السلع المستوردة وزيادة معدل التضخم فى الولايات المُتحدة بنسبة تصل إلى 0.7% خاصة مع إرتفاع مؤشر أسعار المستهلك لـ3٪ خلال يناير 2025 .
يعكس إعلان البيت الأبيض عزم الرئيس ترامب رفع الرسوم الجمركية إلى 104% على كافة الواردات الصينية ثم تعديل النسبة إلي 109% في أقل من 24 ساعة، وذلك بسبب رفض الصين التراجع عن وعدها بفرض رسوم جمركية “انتقامية” على السلع الأمريكية ( أعلنت بكين نيتها فرض رسوم جمركية بنسبة 84% علي السلع الأمريكية إعتباراً من 10 أبريل ) عدم إنصات ترامب لمناشدات تصدر عن الدائرة المقربة منه, تحثه علي مراجعة ما يعتزمه بشأن التعريفات الجمركية الأحادية ، وكان إيلون ماسك في مقدمة المطالبين له بإعادة النظر فى توجهات فرض رسوم جمركية شاملة.
يمكن القول أن ردود الفعل الدولية الحادة لم تقتصر على الصين فقط ، في ظل نية المفوضية الأوروبية فرض رسوم جمركية مُضادة بنسبة 25% على مجموعة من السلع الأمريكية، ردًا على الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس الأمريكى ، علي أن تدخل الرسوم الجمركية على بعض السلع حيز التنفيذ ( 16 مايو المقبل) بينما ستُطبق مجموعة إضافية فى ديسمبر 2025 , ويلاحظ أن الإتحاد الأوروبي يواجه تحديات أخرى تتمثل في التدفقات المُحتملة للسلع الصينية بإتجاه أسواق جديدة فى الكتلة الأوروبية ، وهو ما يستلزم تفكير بروكسل في تدابير وقائية وينذر بتعميق المواجهات التجارية بين القوي الدولية.
وفي خطوة تصعيدية ، يقوم رئيس الوزراء الإسباني بزيارة آلي بكين للقاء الرئيس الصيني ” بينج ” الزيارة أثارت غضب واشنطن، التي وصفتها بأنها «قطعُ المرءِ عُنقه بنفسه»، وحذر خبراء أن الزيارة قد يستتبعها رد فعل إنتقامي من جانب إدارة ترامب ، علماً بأنها المرة الثالثة خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي يلتقي فيها سانشيز والرئيس الصيني ، وإن كانت اللقاء الجديد يتزامن مع إعلان إسبانيا عن صندوق بقيمة 14.1 مليار يورو لدعم القطاعات المتضررة من رسوم «ترامب» الجمركية.كما تشير مراكز فكر ودراسات إستراتيجية إلي أن المواقف المرنة من جانب «سانشيز» تجاه العلاقات مع الصين شجّع الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في سياساته مع «بكين»، الأمر الذي قد يجرّ «بروكسل» إلى مناورات تفاوضية مع واشنطن.
يمكن القول أن المسلك ” الترامبي ” لم يخلو من النفحات الإنسانية، والحرص على انتظام سلاسل توريد أساسية، حيث استثنى الرئيس ترامب (2 إبريل) المنتجات الصيدلية من التعريفات الجمركية المتبادلة؛ وهي خطوة تهدف فى مضمونها الحفاظ على إمدادات الأدوية بتكلفة منخفضة، وتعزيز استقرار أسعارها في الداخل الأمريكي، علماً بأن الأدوية المستوردة -بصفة خاصة من الهند- تضطلع بدور رئيسي فى السوق الأمريكية، فقد وفَّرت الأدوية الأجنبية نحو 1.3 تريليون دولار على النظام الصحى الأمريكى بين عامى 2013 و2022؛ ما يجعل فرض التعريفات مهدِّدًا لميزانيات الرعاية الصحية والفئات الضعيفة التي تعتمد على هذه الأدوية. كما يلاحظ هنا أن إنسانيات إدارة “ترامب” لا تطبق خارج حدود الولايات المتحدة ، حيث أوقفت واشنطن تمويل برامج الطوارئ التابعة لبرنامج الأغذية العالمي, والتى تسهم فى إبقاء ملايين الأشخاص على قيد الحياة فى 13 دولة يعانى العديد منها من صراعات.
إتصالاً بالتوترات الجيو- سياسية/ إقتصادية ، تعكس بعض التقارير الإعلامية أن تعهُّد الصين «بالقتال حتى النهاية» إذا مضَت الولايات المتحدة قدمًا في زيادة الرسوم الجمركية، قد يدفع أكبر اقتصادَين في العالم إلى شفا حربٍ تجارية شاملة، وتُشير “الفايننشال تايمز ” فى تقرير صحفى أن هذه المواجهة بين الصين والولايات المتحدة تأتى في وقتٍ من المقرَّر أن تدخل فيه موجة ما يُسمى بـ«الرسوم الجمركية المتبادلة» على العشرات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، حيِّز التنفيذ فى 9 أبريل الجارى. كما تطرق المقال إلي أن تحذير الصين يأتي بعد أن صرَّح «ترامب» يوم الإثنين بأنه سيفرض رسومًا إضافية بنسبة 50%، ما لم تُلغِ الصين رسومًا جمركية انتقامية بنسبة 34% أعلنت عنها الأسبوع الماضى، ويرى خبراء صينيون أنه فى حين أن الصين – ثانى أكبر اقتصادٍ فى العالم- ستُعاني من اضطراباتٍ تجارية بسبب رسوم ترامب فإن الصين ستتمسَّك بموقفها ولن ترضخ لـواشنطن.
ومن أبرز التقديرات الإعلامية التى تتناول تأثير السياسات الجمركية لترامب ما نشرته ‘ فورين بوليسي ‘ أول أمس ، وجاء فيه أنه على الرغم من تعهُّدات إدارة «ترامب» بدفع عجلة قطاع الطاقة الأمريكى ، فإن الرسوم الجمركية التى فرضها الأسبوع الماضي، تُهدِّد برفع الأسعار وإبطاء النمو الذى سوف يستتبعه إنخفاض الطلب على النفط، وهو ما سيُؤثِّر بدوره سلبًا على قطاع النفط الأمريكى ( هبط سعر النفط الأمريكى إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ 2021 بسبب مخاوف الركود الناجم عن الرسوم الجمركية ) . ومن ناحيةٍ أخرى فقد يُؤدِّى استيراد الولايات المتحدة للمعدات المستخدمة فى صناعة النفط والغاز إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض أسعار المنتجات، الأمر الذى يُعيق بدوره طموحات الهيمنة على قطاع الطاقة.
هذا ، وتضمنت ترجيحات ( فورين بوليسي ) السيناريوهات المُحتملة ، إذ ربما تُلغى حروب «ترامب» التجارية هذا الأسبوع، أو قد تتصاعد، وقد تُعيد الرسوم الجمركية الهيمنة الصناعية الأمريكية أو قد لا تنجح فى ذلك، لكن من المؤكَّد أنها لا تُفيد خطط الولايات المتحدة للهيمنة على قطاع الطاقة، ويلاحظ فى هذا الإطار إعلان الرئيس ترامب عن تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي لدعم صناعة الفحم، ووقع أمراً تنفيذياً للتوسع في إنتاج الفحم فى خطوة لتنويع مصادر الطاقة فى الولايات المتحدة.