حذر جيش الإحتلال من أزمة تتفاقم في صفوف قوات الإحتياط تأثراً بخطط توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة ، وما أسفرت عنه من تراجع في معنويات جنود الإحتياط الذين توجهوا مؤخراً إلي قادتهم وأخطروهم بعدم نيتهم الإستجابة إلي أوامر الإستدعاء في حال طُلِب منهم الإلتحاق بالجيش ، وتناولت صحيفة ‘ هآرتس ‘ تلك المعضلة التي تواجه جيش الإحتلال بإجراء تقصي لمعرفة الأسباب التي دفعتهم لذلك ، حيث تبين أن بعضهم رفض الإلتحاق بالخدمة بسبب ما وصفوه بـ”الإنقلاب القضائي ” ، وتم تسريح أحد قادة القوات الجوية الذي صرح أن الحسابات السياسية تطغي علي كل إعتبار وأن الحكومة تُصفي حماة القانون ، ونوهت ‘هآرتس’ بحديث لقادة كبار في وحدات الإحتياط مع قيادة الجيش العليا حول تراجع نسبة الحضور في وحدات الإحتياط بنسبة ٥٠ ٪ .
كما تطرقت تقديرات سياسية بدولة الإحتلال إلي توسع ظاهرة “الرفض الصامت ” وهي الحالات التي يُبرر فيها الجنود عدم إلتحاقهم بالخدمة العسكرية لأسباب صحية أو إقتصادية أو عائلية ، في حين أن دوافعهم أخلاقية أو سياسية ، وتأثر أطياف المجتمع لم يمنع حكومة اليمين الإئتلافية والكنيست من تعديل قانونيين يهدفا إلي إضعاف الجهاز القضائي ويفتحا الطريق أمام سيطرة سياسية أوسع علي لجنة تعيين القضاة ، وتتواصل الإحتجاجات الشعبية ( من حيفا إلي القدس وفي الشوارع وجامعة تل أبيب) ضد خطة إضعاف القضاء وفقاً للإجراءات التي سبق أن أعلن عنها وزير العدل ” ياريف ليفين” ويتم تفعيلها منذ بداية ٢٠٢٣ .
هذا، ولم تقتصر أسباب الإحتجاجات علي إستهداف الحكومة للقضاء وإضعافه، وإنما إمتدت لتوقف تبادل الأسري وقرار حكومة نتنياهو إقالة رئيس الشاباك ” رونين بار ” ، وإقالة المستشارة القانونية للحكومة ” جالي بهارات ميارا ” ، ويجري رئيس إتحاد نقابات العمال ” الهستدروت ” إجتماعات مع قيادات من القطاع الصناعي لمناقشة إمكانية إعلان إضراب عام رداً علي الخطوات المثيرة للجدل إتخذتها الحكومة مؤخراً.
وعلي الرغم من محاولات مسئولي الحكومة التقليل من شأن المؤشرات التي تشير إلي معاناة الإقتصاد ” الإسرائيلي ” ، فقد صدر عن ” بنك إسرائيل ” تقريراً يشير إلي أن الحرب وتداعياتها طويلة الأمد زادت من التحديات الأساسية التي تواجه الإقتصاد ( ضعف إنتاجية العمل ، إرتفاع معدلات الفقر ) مما يتطلب زيادة الإستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية وتسريع دمج المزيد من الفئات في سوق العمل وتحمُل عبء الخدمة العسكرية ، ويلاحظ هنا أن حكومة الإحتلال مولت نفقات الحرب الغاشمة علي غزة عبر زيادة الدين العام ، الذي إرتفع إلي حوالي ٦٨٪ من الناتج المحلي . كما يُعد إنخفاض إنتاج شركات التكنولوجيا الناشئة بشكل حاد مسألة جديرة بإلقاء الضوء عليها في ضوء الترويج – قبل حراك ٧ أكتوبر – لتفوق إسرائيلي علي باقي دول المنطقة في مجالات التكنولوجيا والإبتكار .
يذكر في هذا السياق ، أن الحرب علي غزة ( فضلاً عن مساعي تطوير العمق الإستراتيجي بالتوسع في الأراضي اللبنانية والسورية ) قد أدت إلي زيادة في نفقات الحكومة اليمينية الإئتلافية علي الإحتياجات الأمنية والمدنية ، وتم فتح ميزانية 2024 ثلاث مرات لإضافة مخصصات بلغت حوالي ٥٪ من الناتج المحلي ، أغلبها لتمويل تكاليف الحرب ، وبلغ العجز في الميزانية نسبة ٦،٨ ٪ من الناتج المحلي ، كما بلغ معدل الدين إلي الناتج المحلي الإجمالي ٦٧،٨ ٪ في نهاية عام ٢٠٢٤ ، مقارنة بـ٦١،٥ ٪ في نهاية ٢٠٢٣ ، وإتخذت الحكومة إجراءات تقشفية كبيرة دخلت حيز التنفيذ في بداية العام الجاري.
ومن الغريب أن رئيس الحكومة الإئتلافية يتفنن في توسيع الجبهات الداخلية والخارجية ويعجز عن وضع حلول آنية للإقتصاد المتأزم ، وبما أن والد نتنياهو مؤرخ هاجر إلي الولايات المتحدة وإستناداً إلي التصريح البنياميني بأنه وترامب يواجها مخاطر متعددة من الدولة العميقة ، فلعله يدرك -يوماً- أن الأمر الواقع قد يكون من اليسير فرضه لوقت معين ( بروز قوة دولية أو إقليمية ، وخفوتها) وكأنه مجهود لإنتاج فيلم وثائقي سياسي ، ولكن السياق الحضاري الذي يحفره التاريخ من الصعب توجيهه أو تقليده ولا حتي محاكاته ، مهما توفرت عوامل القوة ومهما زاد البطش ضد أصحاب الأرض وغيرها من أعمال عدائية تضر بإستقرار المنطقة وتفاعلاتها . ومن أبرز الأقوال التي لها دلالات جديرة بالإهتمام “إسرائيل دولة شابة جداً تهوي الإرتجال، ولا تحترم التقاليد السياسية كثيراً ” .