خلال المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية تركيا وروسيا صباح ٢٤ الجاري ، أشار وزير الخارجية التركي ‘ فيدان ‘ إلي تطلع بلاده أن تكلل الجهود الدبلوماسية للحل بين روسيا وأوكرانيا بالنجاح، في حين أوضح أن وزير الخارجية الروسي ‘ لافروف’ أن الحوار مع واشنطن في الرياض كان إيجابيًا ولم تغير موسكو موقفها حتى الآن بشأن الحرب في أوكرانيا، ومضيفاً أنه على دول العالم إيجاد مقاربات واقعية في معالجة مسألة الحرب في أوكرانيا.
من الأمور التي تشير إلي البراجماتية التي أصبحت تتسم بها التوجهات الخارجية ، أن لقاء ‘ لافروف ‘ و ‘ فيدان ‘ سبقه توقيع ” ساها إسطنبول” مذكرة تفاهم مع الرابطة الوطنية للصناعات الدفاعية الأوكرانية لتعزيز التعاون في الصناعات الدفاعية، خلال معرضي “آيدكس” و”نافدكس” 2025 في أبوظبي، وتهدف الشراكة إلى تطوير التعاون في مجالات الدفاع والطيران والفضاء، وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وأوكرانيا.
كما يلاحظ أن تعليقات ‘ لافروف ‘ خلال المؤتمر الصحفي بأن بلاده لا نستطيع تبني أطروحات أوروبية تضغط على كييف لعدم التوقيع على اتفاق مع روسيا، تعكس مدي إنزعاج موسكو من تعدد المقاربات والتصريحات فيما يتعلق بواقع ومستقبل الأزمة الأوكرانية ، وبصفة خاصة الآراء التي تتناولها وسائل الإعلام الأوروبية حول مقاومة الدول الأوروبية المساعي الأمريكية لتسوية تلك الأزمة علي حساب الأمن القومي الأوروبي . وربما لا ترحب موسكو بما يحدثه الصخب الدائر بين كييف وواشنطن والتفاهمات المحتملة بينهما من سحب الإهتمام – نسبياً- من التوصل لإنهاء الحرب الروسية والأوكرانية لصالح العلاقات الاقتصادية بين كييف وواشنطن ، حيث تحول إهتمام وسائل الإعلام إلي التركيز بشكل أكبر علي المناوشات الإعلامية بين ترامب وزيلينسكي .
وتستند تلك التقديرات في جانب كبير منها إلي تصريح نائب وزير الخارجية الروسي بشأن توضيح موسكو لواشنطن بشكل مفصل عدم قبولها بوقف منفرد لإطلاق النار في أوكرانيا، وأن وقف إطلاق النار بأوكرانيا دون حل أسباب النزاع يهدد علاقات موسكو مع واشنطن بعواقب وخيمة، وأن عدم التوصل إلى تسوية مستدامة للنزاع في أوكرانيا سيؤدي إلى تجدد النزاع.
تفاعلاً مع تطورات الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، نشرت “واشنطن بوست” أن إدارة ترامب دعت أوكرانيا إلى سحب قرار سنوي في الأمم المتحدة يدين حرب روسيا، وترغب إدارة ترامب تبديل القرار السنوي ببيان ترعاه واشنطن يدعو إلى إنهاء الصراع.
في المقابل ، رفضت أوكرانيا سحب قرارها المزمع التصويت عليه في اجتماع الجمعية العامة، لذلك تدرس الولايات المتحدة تقديم نسختها من البيان في اجتماع منفصل لمجلس الأمن. كما ذكرت الواشنطن بوست في تقريرها أن إدارة ترامب طلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن قبل اجتماع الجمعية العامة.
وعلي الرغم من تقارير صحفية تشير إلي أن البيت الأبيض وأوكرانيا حققا تقدمًا كبيرًا نحو التوصل إلى اتفاق يسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا، ويعزز علاقة طويلة بين البلدين وأن هذا التقدم ( وفقاً لأسوشياتيد برس) يأتي بعد التصاعد الحاد في التصريحات بين “ترامب” و”زيلنسكي” مؤخراً بسبب خلافاتهما حول هذا الأمر، إلا أن مصدر أوكراني قد صرح لـ”فرانس برس” أن الرئيس الأوكراني “ليس مستعدًا” لتوقيع اتفاق معادن مع الولايات المتحدة، وأنه في حين ترغب الولايات المتحدة في انتزاع 500 مليار دولار من أوكرانيا ، فإن “كييف” تريد أن يتضمن أيّ اتفاق يتم توقيعه مع الولايات المتحدة ضمانات أمنية.
هذا، وقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً يُفيد بأن أوكرانيا قد طرحت إقامة شراكة مع أمريكا بشأن مواردها الطبيعية النادرة لإقناع “ترامب” بتقديم دعم إضافي لجهودها في الحرب ، وتنص الاتفاقية على توجيه العائدات لصندوق مملوك لأمريكا بنسبة 100% وعلى أوكرانيا أن تساهم في الصندوق حتى يصل إلى 500 مليار دولار. كما أضاف تقرير الصحيفة – ذائعة الصيت – أن المقترح المُعدل ينص على إمكانية أن تعيد أمريكا استثمار جزء من العائدات في إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، ويتضمن المقترح الأمريكي المُعدل كذلك أحكامًا تتعلق بالإيرادات من الأراضي التي تحتلها روسيا حاليًا في حالة تحريرها .
وبالتوازي مع الجدل الدائر والتصريحات من الجانبين ، أشار دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي إلي ضرورة أن يلتقي “بوتين” و”زيلينسكي” معًا، وموضحاً أن روسيا تريد التوصل لاتفاق ينهي الحرب في أوكرانيا، وإختتم تصريحه بعبارة” نقترب من توقيع اتفاق مع أوكرانيا بشأن المعادن “. كما يلاحظ أن التصريحات الجديدة لترامب قد جاءت في الوقت الذي يستعد فيه الاتحاد الأوروبي لتقديم حزمة من الدعم العسكري الإضافي لأوكرانيا بقيمة 20 مليار يورو، في وقت تُسابق فيه دول “التكتل” الزمن لتأمين “كييف” ومواجهة جهود الرئيس الأمريكي الهادفة إلى التوصل لتسوية سلمية سريعة مع روسيا.
في السياق ذاته ، أشارت ‘ ذا تيليحراف’ إلي أن رئيس الوزراء البريطاني يدرس إمكانية الحفاظ على مسار دعم بلاده لـ”كييف”، على الرغم من التعقيد الكبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا ، حيث نسبت الصحيفة تصريح لمصدر في الحكومة البريطانية يشير إلي “نؤكّد دائمًا إننا نريد مساعدة أوكرانيا لتكون في أقوى موقف ممكن، سواء كان ذلك لبدء المفاوضات أو مواصلة القتال”.
ولعل من أبرز التقارير الصحفية والتغطية الدولية ما نشرته “وول ستريت جورنال” في 21 الجاري عن تُكثِّيف إدارة «ترامب» جهودها للضغط على «زيلينسكي» الرئيس الأوكراني لمنحها حقوق التنقيب عن المعادن الأوكرانية بمئات المليارات من الدولارات، بعد أن أدَّى رفْض «زيلينسكي» الأوَّلي للطلب، لانتقاداتٍ لاذعة من قِبَل «ترامب».
ويلاحظ هنا أن التقرير الصحفي قد أكد علي أنه لطالما اعتمدت «كييف» على الولايات المتحدة، داعمها الرئيسي، للحصول على المعدات العسكرية والدعم المالي لصدِّ الغزو الروسي، وقد أثارت الحرب الكلامية بين «زيلينسكي» و«ترامب» مؤخرًا، مخاوف من توقُّف الدعم الأمريكي تمامًا. كما أبرزت الصحيفة أنه علي الرغم من امتنان «زيلينسكي» للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا (نحو 100 مليار دولار)، فإن مطالبات «ترامب» بالحصول على معادن بـ 500 مليار دولار في المقابل، من دون منح «كييف» ضماناتٍ أمنية، يُعدُّ أمرًا مُبالغًا فيه.
يمكن القول أن أوروبا لديها مخاوف متعددة منذ تسلم ترامب منصبه في مقدمتها مدي إلتزامه بالتواجد في حلف الناتو ، وكذلك تماسك المواقف الأوروبية بشأن التعامل مع إدارة ترامب وبصفة خاصة مواقفه من أوكرانيا والتقارب الجاري بينه وبين بوتين.كما أن هناك ترقباً أوروبياً لنتائج الإنتخابات التشريعية الألمانية في ضوء ما أصبحت تمثله برلين -خلال العقدين الماضيين -كقاطرة رئيسية لتوجهات الإتحاد الأوروبي وسياساته.
يذكر في هذا السياق أن ” فايننشال تايمز” خلاف بين الدول الأوروبية بشأن إرسال قوات إلى أوكرانيا، وأن ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا مترددة بعد أن قالت بريطانيا إنها مستعدة لإرسال قوات . كما أوردت ‘ فاينانشال تايمز ‘ أن الدول الأوروبية إشتبكت بشأن إرسال قوات إلى أوكرانيا، خلال اجتماع أزمة كان يهدف إلى التوصل إلى إجماع حول كيفية الرد على محادثات السلام التي يجريها دونالد ترامب مع روسيا.
ووفقاً للتقديرات الدبلوماسية وإعلامية تخشي بعض العواصم الأوروبية أن يغسل “ترامب” يديه قريبًا من أوكرانيا ويطلب من القارة الأوروبية ضمان أمن البلاد بعد أيّ وقف لإطلاق النار؛ ما يعني الالتزام بموارد مالية وعسكرية تتجاوز بكثير المستويات الحالية .