في خطوة غير مسبوقة في مجال البحث العلمي في مصر، أعلنت الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن إطلاق أول معمل تجريبي لعلم النفس، والذي يعتمد على منهجيات متطورة لدراسة الإدراك البشري، باستخدام ألعاب الفيديو وتقنيات تتبع حركة العين. جاء ذلك خلال جلسة استضافتها الجامعة ضمن سلسلة “لقاء مع خبير”، حيث كشفت الدكتورة جاكلين هـ. بيري، الأستاذ المساعد بقسم علم النفس، عن تفاصيل هذا المشروع البحثي الرائد.
أبحاث خارج الصندوق:
يعتمد المعمل على أدوات غير تقليدية لتقييم مهارات مثل الانتباه، والذاكرة، واللغة، والتعلم، متجاوزًا الطرق التقليدية القائمة على الاختبارات الورقية، والتي قد تفتقر إلى الدقة عند تطبيقها في بيئات ثقافية مختلفة. وتوضح بيري: “نحن لا ندرس فقط المشكلات الإدراكية، بل أيضًا القدرات الهائلة التي يمتلكها العقل البشري. مثلًا، كيف نتخذ قرارات في أجزاء من الثانية أثناء القيادة؟ كيف ندير مهام متعددة بكفاءة دون أن نشعر بذلك؟”
من خلال تتبع حركة العين أثناء لعب المشاركين لألعاب الفيديو، يقدم المعمل طريقة طبيعية لتشخيص الوظائف الإدراكية، مما يسهم في التغلب على المشكلات الناتجة عن ترجمة الاختبارات النفسية التي قد لا تتناسب مع السياق المحلي للمرضى المصريين.
“تيترِس” وألعاب الفيديو في خدمة علم النفس
إحدى الأدوات البحثية الأساسية في المعمل هي لعبة “تيترِس” الشهيرة، والتي تُستخدم لجمع بيانات دقيقة حول الأداء البشري، من خلال قياس أكثر من 100 مؤشر مرتبط بالوظائف الإدراكية. وتقول بيري: “تقنياتنا تمنحنا رؤية أعمق لكيفية عمل الدماغ في البيئات الحقيقية، وليس فقط داخل المختبرات التقليدية”.
وقد استقطب المعمل منذ تأسيسه أكثر من 100 مشارك، بالإضافة إلى تدريب 12 طالبًا من مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا كل فصل دراسي، ما يعكس التزام الجامعة الأمريكية بالقاهرة بتعزيز البحث العلمي التطبيقي.
الذكاء الاصطناعي.. بوابة لتسريع التعلم
إلى جانب أبحاثها في مجال الإدراك، تعمل بيري على دراسة دور الذكاء الاصطناعي في تسريع عملية اكتساب المهارات، مشيرة إلى أن التكنولوجيا يمكن أن تساعد الأفراد في الانتقال من مرحلة “المبتدئ” إلى “الخبير” بوتيرة أسرع.
وتقول: “نحن نبحث كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل منحنى التعلم، بحيث يتمكن الأشخاص من اكتساب مهارات جديدة بسرعة وكفاءة أكبر. هذا ليس مجرد خيال علمي، بل حقيقة نعمل على تحقيقها في معملنا.”
نحو مستقبل أكثر دقة في تشخيص الأمراض العصبية
في إطار خطط التوسع المستقبلية، تسعى بيري إلى إجراء دراسات شاملة تشمل مختلف الفئات العمرية، بهدف تطوير أدوات تشخيص أكثر دقة لأمراض مثل الخرف والزهايمر. وتوضح: “الأبحاث تشير إلى أن الأشخاص متعددي اللغات أقل عرضة للإصابة بمرض الزهايمر. نحن نعمل على فهم هذه العلاقة بشكل أعمق، باستخدام تقنيات متطورة مثل تتبع حركة العين.”
من خلال هذه المبادرات البحثية الرائدة، ترسّخ الجامعة الأمريكية بالقاهرة مكانتها كمركز للابتكار في مجال علم النفس التجريبي، مقدمة نموذجًا جديدًا لدراسة الإدراك الإنساني يتجاوز الحدود التقليدية للبحث الأكاديمي.