بعد شغور المنصب لعامين وشهرين وفي وسط تحديات وإقتصادية وسياسية متنوعة ، تم انتخاب جوزيف عون الرئيس الـ١٤ للجمهورية اللبنانية لمدة ٦ أعوام ، ويعد عون – الذي يبلغ ٦١ عاماً – بمثابة قائد عسكري متطلع للإصلاح وقام أثناء تكليفه بقيادة الجيش في ٢٠١٧ بإطلاق عملية ” فجر الجرود” لمطاردة مسلحي جبهة النصرة وداعش علي الحدود السورية .
وفي حين نال عون ٧١ صوتاً في الجلسة الأولي للبرلمان ثم ٩٩ صوتاً في الجلسة الثانية ، لم تكن مراحل إختياره لرئاسة الجمهورية عملية سلسة وإن كان إنسحاب المرشح المنافس ( سليمان فرنجية ) مرشح الثنائي الشيعي ( حرب الله وحركة أمل ) قد ساهم في حسم مسألة حيوية لتماسك الدولة اللبنانية ،ويُعلي من فرص تجاوز الجمود السياسي الذي إتسم به المشهد اللبناني لمدة ٢٦ شهراً ، عبر إختيار شخصية توافقية تحظي بدعم داخلي ( دعم الثنائي الشيعي بعد التوافق علي عدة ملفات بعد الجلسة الأولي للتصويت ) وخارجي ( ترحيب الدول الغربية والعربية بالاختيار )، ودعت فرنسا جميع المسؤولين السياسيين والسلطات اللبنانية إلي الإلتزام العاجل والعمل علي النهوض الدائم بالبلاد، علي أن يتبع هذا الإنتخاب تشكيل حكومة قوية تدعم الرئيس والمرحلة الجديدة لبناء الدولة . كما نشرت رئيسة المفوضية الأوروبية تدوينة -علي حسابها الشخصي- علي موقع X وتقدمت بالتهنئة لجوزيف عون وأن لحظة إنتخابه تعد لحظة فارقة تبعث الأمل للبنانيين ، وأن الطريق أصبح مُمهداً لتحقيق الإستقرار والإصلاحات.
ولعل من أبرز التحديات السياسية التي تواجه عون ، إنتهاء مُهلة الـ٦٠ يوماً المحددة لإنسحاب إسرائيل من لبنان في ٢٦ يناير ، وتنفيذ القرار ١٧٠١ الصادر عن مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في جنوب لبنان ، وتنفيذ القرار ١٥٥٩ الصادر عن مجلس الأمن الذي يهدف لإنسحاب القوات الأجنبية وحل الوحدات اللبنانية المَسلحة ، فضلاً عن أهمية إنهاء حالة الإنقسام السياسي المستمرة منذ سنوات ووضع سياسات حاسمة تضمن إستقرار الحكم .
ولم يكن تأزم المشهد السياسي وحيداً وإنما صاحبه تحديات إقتصادية متنوعة في ظل معدلات تضخم قياسية ( ٢٢١.٣ ٪ في عام ٢٠٢٣ ) ونسب فقر متزايدة ( ٨٠٪ من السكان تحت خط الفقر ) وأثرت ضبابية المشهد الداخلي والتحديات الإقليمية علي قيمة العملة المحلية ( الليرة ) التي فقدت ٩٥٪ من قيمتها ، إلي جانب تحقيق العجز التجاري نحو ١٤ مليار دولار في ٢٠٢٣ ، وبلغت مستحقات سندات الدين بالعملة الأجنبية ٨٤ مليار دولار منذ التخلف عن السداد قبل ٥ سنوات .
هذا، وتصل تقديرات البنك الدولي للخسائر اللبنانية من الحرب الأخيرة مع إسرائيل إلي ٨ مليار دولار ، فضلاً عن نزوح أكثر من مليون و٤٠٠ الف لبناني ، وتُقدر بعض الجهات المحلية والدولية تكلفة إعادة الإعمار الأولية بنحو ٣٠ مليار دولار ، كل تلك التقديرات والتحديات تثقل كاهل الرئيس المنتخب والحكومة الجديدة في ظل تطلعات بتجاوز الجمود السياسي والذي إتخذ بُعداً إستثنائياً في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة في الأراضي الفلسطينية وتداعياتها علي لبنان ثم سوريا .
جدير بالذكر أننا تناولنا في هذا المنبر الإعلامي الرفيع في نهاية سبتمبر الماضي تأثيرات الواقع اللبناني الجديد علي تفاعلات ومستقبل شرق المتوسط – إنكماش نفوذ حزب الله – والتنافس الكامن حول مصادر الطاقة ( الغاز بصفة خاصة ) وكذلك مبادرات الربط الكهربي ، وهي مسائل جديرة بالبحث والتقييم نظراً للتنافس بين أطراف إقليمية علي إقتناص فرص استثمارية أو الدخول في شراكات تسمح بتصدر قائمة الموردين الرئيسيين للغاز إلي السوق الأوروبية.( محمد
محمود عبد الوهاب ، الباحث في الشؤون الدولية )