هل سبق لك أن وقفت حائرًا أمام دولاب ملابسك، تحاول اختيار الزي المناسب لمقابلة مهمة؟ أو ربما واجهت صعوبة في اختيار الجامعة أو الوظيفة التي تناسب طموحاتك؟ هذه هي اللحظات التي تجعلنا ندرك أهمية اتخاذ القرارات في حياتنا اليومية، فكل قرار نتخذه، مهما كان صغيرًا، يشكل جزءًا من قصة حياتنا.
أتذكر جيدًا أول مرة حاولت فيها قيادة السيارة بمفردي، فجأة، ظهرت سيارة من الشارع الجانبي، وبدأ قلبي يدق بسرعة، تذكرت على الفور درس أبي -رحمه الله- وكان أهم درس غرسه في نفسي هو ضرورة التوقف الفوري بالضغط على الفرامل في أي لحظة أشعر فيها بأدنى خطر، ثم استئناف السير بعد التأكد من زوال الخطر تمامًا؛ فضغطت على الفرامل بقوة وتوقفت، وبعد أن تأكدت من أن الطريق خالٍ، استأنفت السير بحذر.
لم يكن هذا مجرد درس في القيادة، بل تجاوز ذلك ليصبح درسًا عميقًا في الحياة، فكلما واجهنا خطرًا أو تحديًا في حياتنا، يجب علينا أن نتوقف لحظة لنحلل الموقف بدقة، ونُخطط لخُطواتنا المُقبلة، ثم نُستأنف مسيرتنا بثقة واقتدار، هذا النهج وأن يبدو بسيط فإنه يساعدنا على تجاوز العقبات بسلام، وتحقيق أهدافنا بنجاح، أن حياتنا كسفينة تبحر في بحر من الخيارات، وكل قرار نتخذه هو بوصلة توجهنا نحو شاطئ أهدافنا.
إن قراراتنا، مهما بدت بسيطة، فإنها تتراكم لتشكل مسار حياتنا وتؤثر على مُستقبلنا، فكما أن القرار الصائب في اللحظة المناسبة قد ينقذنا من خطر حقيقي، حيث تمثل القرارات التي نتخذها يوميًا نقطة تحول قد تغير مسار مُستقبلنا بالكامل.
التحديات جزء لا يتجزأ من مسيرة الحياة، لذا فإن اتخاذ قرارات صائبة هو مفتاح تحقيق الأهداف وتجاوز العقبات، ولكن غالبًا نشعر بالارتباك والتردد في مواجهة هذه التحديات، بدافع الخوف من الفشل أو إضاعة الوقت والجهد إلا أن تجاهل المشكلات لا يمثل حلاً، بل يزيد من تعقيدها ويؤثر سلبًا على صحتنا النفسية وعلاقاتنا الاجتماعية.
لا شك أن اتخاذ القرارات يُمثل تحديًا كبيرًا للكثيرين، فالشكوك والتردد غالبًا ما تسيطر علينا، مما يجعلنا نتردد في اتخاذ الخطوة الأولى، ولكن هل تعلم أن التردد هو عدو التقدم؟ فالتأجيل المستمر لقرارات هامة قد يؤدي إلى تفويت فرص ثمينة، تخيل أنك تقف أمام مفترق طرق، وكل طريق يفتح أمامك آفاقًا جديدة، فالتردد في اختيار الطريق المناسب قد يبقيك عالقًا في مكانك، بينما الشجاعة في اتخاذ القرار قد تقودك إلى مستقبل مشرق.
كما أن القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة هي مهارة يمكن اكتسابها وتطويرها من خلال الممارسة والتجربة، كلما اتخذنا قرارًا، تعلمنا شيئًا جديدًا عن أنفسنا وعن العالم من حولنا، وبالتالي، فإن اتخاذ القرارات ليس مجرد عملية اختيار، بل هو فرصة للنمو والتطور الشخصي، من خلال تطوير هذه المهارة، نصبح أكثر ثقة بأنفسنا، وأكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة وتحقيق أهدافنا.
ويمكننا البحث عن حلول إبداعية وتبني نظرة إيجابية، من خلال تقسيم المشكلة إلى أجزاء صغيرة، وطلب المساعدة من الآخرين والتي تمثل أحد الإستراتيجيات التي يمكن أن تساعدنا على التغلب على التحديات وتحقيق النمو الشخصي.
إن إتباع هذه المنهجية لا يضمن الوصول إلى حل مثالي لكل مشكلة، ولكنها تساعدنا على اتخاذ قرارات مدروسة وواقعية، وتزيد من فرص نجاحنا في التغلب على التحديات التي تواجهنا، كما أنها تُساهم في تنمية مهاراتنا في حل المشكلات، مما يجعلنا أكثر قدرة على مُواجهة الصعوبات في المستقبل.
في النهاية، يمكن القول أن الحياة رحلة مليئة بالمنعطفات والتحديات، ولكن من خلال تعلم كيفية اتخاذ القرارات الصائبة، يمكننا توجيه دفة حياتنا نحو الأفضل، فالتوقف لحظة للتفكير والتحليل، ثم اتخاذ الخُطوات اللازمة، لم يكلفنا شيء، لكن تكمن المشكلة الحقيقية في معرفة متى تتوقف ومتى تستمر.
د.هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة