في غرفة علي حديقة سقفها من الخيزران، ايقظني احساس غامض بعثني علي الاخلاء، اشعلت مصباحا جانبيا, فوجدت مجلدا عنوانه ‘كتاب اينشتين’,، صفحاته خالية, تنادي خواطر النزلاء. كان اينشتين هذه المرة كلبا ضخما جبليا اليفا و جميلا، اشعرني بالدعة و الحنان ,له كوخ باسمه في حديقة تحيط بالمكان.
والنزل علي بساطته تجسيد لمالكه المعني بتفاصيل دقيقة و انيقة في كل ركن و مكان, شموع فوق مناضد الطعام, و قبو يذخر بزجاجات الشراب, و غرفة جلوس تجمع النزلاء في امسيات تسبق أو تتلي العشاء, يشاهدون وسط اضاءة خافتة تسجيلات عالمية عن روائع الطبيعة في ناميبيا, من سفاري و صحروات تعبرها افيال, و سماوات تتناوبها السحب و الالوان. و في غرفة بالطابق الاعلي أريكة وثيرة, امامها منضدة, تعلوها كتب سياحة و ثقافة تذخر بصور باهرة, و ركن للشاي و الحاسب الالي. هي المرة الرابعة التي اخترت فيها هذا الفندق مأوي لايام. فصاحبه شخص تشعر به في كل جزء, أنشأه بحب و تفاني و عناية و اتقان, يخرق وحدة روحه بتواصل هادئ مسالم منفتح كريم منذ اللحظة الاولي مع نزلاء, يشاطرهم الحديث و مناضد طعام شهي , يطهوه و يقدمه بنفسه.
وتجدهم و قد غمرهم جو الالفة و الدفء يتشاركون التحيات و الاحاديث في غرف الطعام و الشاي و الجلوس.ويداعبون اينشتين , فيحظي باهتمام و رعاية الكل اينما ذهب, و كأنهم يحيون صاحبه ,حين شملهم بحب و رعاية في صمت بتفاصيل تتحدث عنه, و تتحدي غربة نزلاء, فيعودون اليه المرة تلو الاخري. احيانا لا جدوي لحديث بدله عمل محب دءوب, يخترق قلوبا لن تملك الا انفتاحا و ثقة و عرفانا لاواعيا لجهد متكامل مربح , وراءه شعور فياض متواصل ناكر للذات.
وفي مدينة سواكبموند المطلة علي الاطلنطي بناميبيا يدفعك الجمال و الهدوء و الامان ونسيم البحر ووفرة المكان و الزمان ووداعة الناس الي الاحساس بأجمل ما فيك, والي الامتداد للاخرين و الحياة لمائة عام. فلنستمع الي حواسنا, و لنعيش في الاخر, و لنكسر سجن النفس بصدق المحبة و الاحساس, و لنمنح الحياة طاقتنا دون خوف أو حساب, فنعمر الارض عملا و بناء و خيرا و نقاء, و نجعل الحب عطاء, يبذل دون انقطاع أو ضمان, فيعود الينا ثمرا في غير انتظار, يذيقنا سعادة تحررنا من طلبها, فسعت الينا, حين تخلينا عن الذات.
د. هادي التونسي
طبيب و سفير سابق