لا يتوقف جبروت دولة الإحتلال عند حد معين ولا يضير حكومتها زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتداعيات ذلك علي دول المنطقة والدوائر الجغرافية القريبة منها ، وللتغطية علي جرائم الإبادة في غزة وممارسات سلبية متعددة لتفجير الأوضاع المعيشية في الضفة الغربية ، عززت الحكومة البنيامينية المسلك الصهيوني التقليدي تحركاتها للتصعيد الإقليمي الشامل بفتح جبهات أخري والعدوان علي جنوب لبنان ، استناداً إلي مزاعم تعرض شمال إسرائيل لمخاطر وجودية ونفذت سلسلة إغتيالات وإقتحام بري في لبنان .
ولم تكتفي دولة الإحتلال بتحديها للقانون الدولي وقصف منظمات الإغاثة الإنسانية ومنع وصول المساعدات وما إلي ذلك من جرائم استدعت تدخل منظومة العمل الدولي المشترك وفي مقدمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمحاولة نصرة الحق الفلسطيني أمام جبروت الإحتلال الذي يحتمي وراء حق الفيتو الذي يستخدمه الراعي الرئيسي لانتهاكات دولة الإحتلال داخل مجلس الأمن وأروقة المجتمع الدولي قبل وبعد ٧ أكتوبر .
هذا ، ولم يقتصر الأمر علي الجمعية العامة ، حيث تدخلت محكمة العدل الدولية وأصدرت حكماً واضحاً بأن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني وآن له أن ينتهي، ورحبت الجمعية العامة في دورتها التي انعقدت قبل أيام قليلة بالرأي الاستشاري للمحكمة، ويتبقي إقناع واشنطن لتعطيل حق الفيتو -ولو لدقيقة واحدة في تاريخ حمايتها للإحتلال – حتي يتسني لمجلس الأمن ترجمة الرأي الاستشاري إلى خطوات ملموسة قد تضع حداً فورياً لممارسات الإحتلال من حصار وتجويع وهدم للبنية التحتية والمدارس والمستشفيات في قطاع غزة ، بالتوازي مع ممارسات إحتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية وما إلي ذلك من تضييق علي حياة الشعب الفلسطيني من خلال توسيع المستوطنات وهدم المنشآت.
ويبدو أن المواقف المتوازنة لسكرتير عام الأمم المتحدة ( أنطونيو جوتيرش- برتغالي ) مثلت خروجاً علي سياسة التدليل التي إعتادت عليها تل أبيب وأن إقراره بأن غزة تتعرض لكارثة إنسانية غير مسبوقة ( تجاوز عدد القتلي الـ ٤٠ ألف ، ووصل عدد الجرحي ما يقرب من ١٠٠ ألف ) ورفضه لاستهداف مباني مدنية في بيروت أثار حفيظة سلطات الإحتلال.
وعلي الرغم من سكوت المجتمع الدولي علي العدوان الذي تشنه تل أبيب علي الدول العربية ، والاهتزاز الكامل لمصداقية النظام الدولي لعدم وجود رادع لجرائم الإحتلال وعدم الإلتزام بتطبيق القانون الدولي ، تمادت حكومة الإحتلال في تحديها للمجتمع الدولي وصدر عن وزير خارجيتها تصريح فج يعتبر فيه أمين عام الأمم المتحدة شخصاً غير مرغوب فيه بالنسبة لإسرائيل ومنع دخوله لأراضيها ، وبهذا القرار يفقد ‘ جوتيرش ‘ أهم طموحاته الإفتراضية بالهجرة إلي جمهورية التل والعيش في كنف مسئولي الحكومة البنيامينية .
هذا ، ولم تشفع لجوتيرش مواقفه – التي يمكن وصفها بالمتوازنة – من الأحداث التي تلت حراك ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ، بما في ذلك تعليقه علي أحداث جنوب لبنان والاغتيالات حيث أعرب عن قلقه الشديد من التصعيد الدراماتيكي في لبنان ، ويبدو أن الحقائق التي عرضها في كلمته أمام جلسة الأمن الدولي في ٢٧ سبتمبر الماضي لمناقشة التطورات في الأراضي الفلسطينية هي التي أغضبت بنيامين ورفاقه ، علي الرغم إن جوتيرش قد إكتفي بعرض حقائق وممارسات الاحتلال وموضحاً حجم الدمار والقتل والأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة ومقتل عدد قياسي من موظفي الأمم المتحدة بسبب عدم إحترام دولة الإحتلال للقانون الدولي الإنساني، ويلاحظ أن سلسلة الغارات والاغتيالات السياسية في الضاحية الجنوبية ببيروت قد تزامنت مع إلقاء رئيس حكومة الإحتلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأياً كان التزامن مقصود أم تصادف حدوثه مع جريمة جديدة من جرائم الكيان المصدر المستديم للإضطراب في الشرق الأوسط ، وتقويض جهود وطموحات دول المنطقة لتحقيق وإستدامة الأمن والإستقرار اللازمين للتنمية الإقتصادية وجذب الاستثمارات الخارجية .
وبما أن هناك توافقاً متواصلاً بين تل أبيب وداعميها للإصطفاف في خانة أنداد المجتمع الدولي ومنظومة العمل الدولي المشترك ، فالمثير للدهشة أن كلمة جوتيرش لم تتضمن معطيات غريبة عن المجتمع الدولي وما ذكره معلوم لجميع من يتابع التصعيد الجاري بالمنطقة، وتتطرق لها عدة دول في تصريحات المسئولين والمباحثات الثنائية أو مؤتمرات صحفية بنهاية لقاءات علي مستوي وزاري أو إجتماع متعدد الأطراف ، وتتناولها أيضاً تقارير إعلامية ومراكز الفكر ، ولكن لا حياة لمن تنادي يا عزيزي الأمين العام ، فالتجرأ والترصد لن يتوقف طالما تردد المجتمع الدولي في استخدام وتفعيل كل الأدوات التي تقيد جبروت دولة الإحتلال وتحديها لمنظومة الأمم المتحدة والعمل الدولي المشترك – كدولة فوق القانون وتتمتع بالحصانة داخل مجلس الأمن – علي مدار عقود .