كتب عاموس هاريل ، كبير المحللين العسكريين في صحيفة هآرتس الإسرائيلية ، أن ما حدث في صباح ٢٥ سبتمبر من إطلاق حزب الله صاروخاً علي وسط إسرائيل لأول مرة منذ بدء الحرب وإعترضته منظومة الدفاع ‘ مقلاع داود ‘ يحرك الكرة مجدداً تجاه ملعب تل أبيب ، ويبدو من الأخبار التي نقلتها وسائل إعلام متعددة صباح ٢٧ الجاري أن الهجوم ورد الفعل الذي اتخذته حكومة نتنياهو ارتكز علي استهداف مباشر للقيادة الرئيسية لحزب الله ( السيد / نصر الله ) بعد سلسلة من الضربات واستهداف للقيادات العسكرية والصف الأول وأن الكرة أصبحت بشكل كبير في ملعب تل أبيب .
وفي سياق التواتر السريع للأحداث في منطقتنا ، تأتي الأخبار الجديدة قبل أيام قليلة من مرور عام علي أحداث ٧ أكتوبر والذي عانت فيه إسرائيل من إخفاقات كبيرة- علي المستويين الإستخباراتي والعملياتي – سعت إلي تعويضها بعمليات ممنهجة خارج أراضيها وموجهة ضد إيران ومحور المقاومة وقادته ، وبالعودة إلي مقال ‘ هاريل ‘ نجد أنه إعتبر أن نتنياهو مستفيد مما يحدث ، حيث يحتفي به الأنصار بإعتباره عبقرياً إستراتيجياً ، وكالعادة تعود النجاحات العملياتية إليه أما الإختلافات فتعود إلي ما دونه من قادة أو وزراء ، وعلي الرغم من الضربات المتلاحقة علي الضاحية الجنوبية إل أن هناك انتقادات من بعض الخبراء العسكريين في دولة الإحتلال أن جيش الدفاع يحقق إنجازات تكتيكية ولكن لا يزال يعمل من دون إستراتيجية واضحة .
ولكي نُسهم – ولو بقدر قليل- في استيعاب التحولات الجارية وما بها من تشابكات حالية ومستقبلية ( السوق الدولية لموردي الغاز – مبادرات الربط البري والبحري ) ، نُذكر أن ما حدث لحزب الله في ١٩٩٢ ( إغتيال الموسوي ) وحدوثه مجدداً في ٢٠٢٤ لم يشهد تحركاً فاعلاً من طهران لمنع حدوثه أو تفاديه ، ونشر الصحفي الإسرائيلي المقرب من واشنطن ‘ باراك رافيد ‘ تدوينة نقلاً عن مصادر غربية أن حزب الله حث طهران في الأيام القليلة الماضية علي شن هجوم ضد إسرائيل إنتقاماً لإغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس ‘ هنية ‘ ولكن إيران إمتنعت وإعتبرت أن التوقيت غير مناسب لوجود الرئيس بزشكيان في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة ، والملاحظ أن بزشكيان نفسه أشار في مقابلة إعلامية علي هامش مشاركته في المحفل الأممي إلي أن طهران لا تريد الحرب ( في حالة مشاركة ايران بشكل مباشر من غير المرجح أن تبقي واشنطن علي الهامش ) ، وفي تقييم ‘عوديد جرانيت’ الصحفي في جريدة إسرائيل اليوم أن كلمات بزشكيان تبدو موجهة إلي حزب الله ، فمن المرجح أن الحليف وقف علي الهامش وترك حزب الله وحيداً يسعي إلي استيعاب المتغيرات التي طرأت علي قواعد اللعبة والإشتباك التقليدي، ولكن يبدو أن الوقت لم يكن في صالح قيادته والتي ربما دفعت ثمن بطء الإدراك لعدم قابلية معادلة الردع والإستقرار للإستدامة في ظل المصالح الجيو إقتصادية التي أصبحت تحكم رهانات وخيارات كل دولة في المنطقة.
بصرف النظر عما يحدث في الشرق الأوسط من تصعيد علي مختلف الأصعدة ، لا يجب إغفال أن المنطقة ومناطق التماس معها ( شرق المتوسط بصفة خاصة ) مقبلين علي تقلبات استراتيجية مهمة علي المستويين السياسي والإقتصادي، أخذاً في الإعتبار الأهمية المتنامية للغاز في شرق المتوسط ، ونظراً لأن تل أبيب لديها مصالح إستراتيجية مستقبلية لفك الإرتباط بين لبنان والطاقة الإيرانية ، وقعت إسرائيل ولبنان في أكتوبر ٢٠٢٢ علي إتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما ( رحبت طهران حينها بالإتفاق في ضوء أنه يوفر عائدات مالية للبنان وحزب الله ) ، ومن ثم فإن الواقع الجديد علي الساحة اللبنانية وتداعياته علي مستقبل سوريا ودول جواره جدير بالمتابعة والتحليل لما سيكون له من تأثيرات علي مشروعات الطاقة ومسارات الربط الكهربائي القائمة والمحتملة والتي تمتد إلي أوروبا .