صدمة ان تستيقظ ذات يوم فتجد ان جيرانك و رفقاء الدراسة والعمل لاعتبارات شوفينية واهية او لتعصب ديني و مذهبي اعمي و تفسيرات تاريخية تبريرية مغلوطة قد رفعوا السلاح ضدك، و فصلوك عن عائلتك، و خدعوك بالتهجير طلبا للأمن، ثم وضعوك في معسكر رجال تمهيدا لإبادة جماعية بعد التجويع و الضرب و الاذلال و الاهانة، او انهم قصدوا اغتصاب النساء امام عائلتهم، او وضعوهم في معازل للاغتصاب القسري الجماعي الممنهج العنيف المذل، بعد ان قتلوا ذويهم، صدمة ان الغرب الذي يطبق حقوق الانسان علي الدول انتقائيا انتظر سنتين، ليقاتل المعتدي قصفا جويا، و ليفرض حلا قسرا علي البوسنيين الاوربيين العلمانيين بان يعيشوا معا، بكراهية عاجزة و بصمت اضطراري، بينما تري النساء في أعين من اغتصبوهن الشماتة و الاذلال، و في أعين المسلمين النظرة الدونية اليهن، فيشعرن بالعار و الخجل، وتنتابهن نوبات الفزع و الصدمات و الأمراض النفسية و اعراضها الجسمانية المزمنة لجراح عميقة لا تندمل و كتمان خشية المذلة و الاحتقار، صدمة ان تجد الجاني طليقا و الضحية ملعونا و مضطهدا و مهمشا في عدالة لم تكتمل حتي مع عقاب بعض الجناة ذرا للرماد في العيون، صدمة ان يتعرض اطفال الاغتصاب الي احتقار المجتمع و التهميش لجرم لم يرتكبوه، بل كانوا ضحاياه، و يعيش في مجتمع، يعتبر ابا غير موجود مجرما وأما ساقطة حتي لو عاشت معه، و لم تعرضه للتبني. الإبادة و التجويع و التهجير مآسي عاشتها شعوب اخري، لكن استخدام الاغتصاب كسلاح للحرب لكسر النساء و هدم الأسر و المجتمع بتأثير ممتد في مجتمع مسلم للاذلال و نزع صفة الشرف عنه أمر يكرس الكراهية، و يمهد ربما للانتقام، حينما يسمح الزمن و الظروف، فمهما بدا مظهر السلام، فالنار في النفوس و اقوي من المداراة و الحلول المؤقتة الجزئية، فالحزازات بقت لقرون منذ اجتاح العثمانيون البوسنة، و اسلم الكثير من اهلها دون غيرهم، بقت رغم ان العثمانيين لم يختلطوا عرقيا كظاهرة بأهل البوسنة السلاڤ، فما بالك بالمستقبل الاقرب،
الرحلة للبوسنة اثرت في حتي النخاع، و شاهدت احداث الحرب في المتاحف و الصور و الافلام في سراييڤو، فهو أمر معلن، و حدثت بسببه محاكمات دولية لمجرمي الحرب، لكنه أمر تكرر في العصر الحديث بتفاصيل متباينة، سواء أسميناها مثل جرائم النازي في أوروبا بالهولوكوست او في حرب غزة او الحرب الاهلية في السودان، و حيث يحدث الاغتصاب امام اسرة الضحية، فهو ليس قاصرا علي شعب او اتباع دين بعينه، او لم نسميها اثناء الحرب العالمية الثانية ، و غطت عليها احداث جسام، و لم تكن الميديا و وسائل الاتصال الاجتماعي قد تطورت بعد لتنشر الفظائع و الحقائق، فالإنسان هو الانسان في كل مكان، و الحشد المعنوي يوجه الشعوب، و يضللهم بايجاد مبررات للوحشية، و يلعب الإعلام دورا بالمبالغة او التجاهل و التضليل و التبرير و اخفاء و لي الحقائق، فيعيد التاريخ نفسه، لاننا احيانا لا نتعلم دروسه، فهذا المقال لا يهدف لإدانة طرف او شعب، فكثيرا ما تبادل تاريخيا الجاني و الضحية الأدوار و لو بعد قرون، بل لإيقاظ ضمائر في عالم تقدمه التكنولوجي سبق تقدمه الإنساني ، طغت عليه المادة، وعادت اليه النعرات العنصرية و الطائفية، فاصبح وفق مصالح دوله يضخم الخسائر لتبرير الانتقام الوحشي او يحول ضحايا البشر الي ارقام تنزع عن المجازر فظاعتها، عالم يخفي وحشيته تحت قشرة من التمدن تكشفها الحروب و المظالم، للأسف كلنا أبناء قابيل، و ليتنا نرتقي.
د هادي التونسي
طبيب وسفير سابق