ان كان حلمك ان تصل الي اعلي مراتب السلطة و الثروة و القوة و الزعامة فما سبب الحلم؟ و ماهي امكانياتك؟ و ماهو سبيلك؟ و كيف تتغلب علي العوائق؟ لا شك ان الامر يختلف من مجتمع لاخر، من نشأة لأخري، من امكانيات و تحديات و دوافع لأخري، لكن مما قد يعينك ان تدرس تجارب الآخرين، ليس للحكم لهم او ضدهم، و ليس لتشكيل وجهة نظر رسمية او شخصية، و ليس ادعاء انك تملك الحقيقة ، ففي النهاية انت تعرف بعضا مما ينقله اخرون بغض النظر عن مدي صدقهم و نزاهتهم و ليس الحقيقة الكاملة، حتي و ان تصورت انك قادر علي اقناع نفسك و الجميع، بل الاجدر ان تستقي العبر لتقرر ما تريده لنفسك، و قد لا تكون احيانا علي صواب.
شاب بدأ مسيرته المهنية في السبعينات من القرن الماضي، قالوا عنه في البداية انه وسيم واثق ودود انيق مرح مبتكر متفائل قوي حيوي طموح جذاب، و انه بالغ المهارة في التسويق والعلاقات العامة، قادر بخيال و يقين و جرأة و بعد نظر علي التحفيز و الابهار و الحوار و المراوغة بثبات انفعالي ظاهر رغم استخدام الفاظ مبالغة تضخم من ارائه و انجازاته. قالوا عنه ان لديه يقين انه سيكون رئيسا ، و انه متحدي و مغامر يريد التفوق علي انجازات أبيه المطور العقاري الثري الذي بني عشرين الف مسكنا بحي بروكلين الشعبي في نيويورك ، و رباه بصرامة و قسوة، حتي انه أودعه لخمس سنوات في مدرسة داخلية عسكرية،و قالوا عنه ان قسوة والده أورثته نظرة ثنائية للعالم، فإما ان تكون جانياّ أم ضحية، إما أبيض أو أسود، فعليك أن تفترس خصمك، و أن تربح بأي وسيلة.
في السبعينات تفشت في نيويورك معدلات الجريمة و البطالة و العنف و الادمان، و فشلت ادارتها في اجتلاب تمويل فيدرالي ينقذها من الافلاس، و تطلعت المدينة الي منقذ لتجنب اغلاق احد اشهر فنادقها في مانهاتن الفاخرة، و كان دونالد ترامب رغم امكانياته المالية مغمورا، في حين يتطلب حلم الزعامة ان تكون شهيرا واعدا، يتحلق حولك الناخبون، فعرض حلا مبتكرا لتجديد و تشغيل الفندق، تكلفته انذاك مائة مليون دولار، اقترض مالا ليكمل المبلغ بشرط ان يحصل الفندق علي اعفاء ضريبي لاربعين عاما كان سيكلفه حال رفضه ١٦٠ مليونا، و لجأ لتمرير الموافقة علي العرض الي محامي متمرس مهاب معروف بعلاقاته مع الادارة و الصحافة و المافيا، حتي حصل علي الموافقة، و تم الافتتاح باعلي درجة من الفخامة و الاتقان، و دعما للصورة الذهنية المطلوبة للزعامة شيد ترامب برجا باسمه في ارقي اماكن الحي بخيال مبدع و اسعار خيالية ، و عهد الي زوجته حينئذ عارضة الازياء ايڤانا التشيكوسلوڤاكية الأصل بالاشراف علي انشائه بتفانيها و مهاراتها القيادية و التي كانت تراه عبقريا، الا انه اختلف مع عمدة المدينة الذي رفض اعفاءه ضريبيا، فتعمد ان ينجز حلبة تزلج علي الجليد في اربعة اشهر كان العمدة فشل في سبع سنوات في اقامتها. و هكذا استطاع ترامب الترويج لنفسه كشخصية شهيرة رائدة منقذة قادرة علي الانجاز و الابهار، تفرض نفسها علي الخصوم، و تستطيع كما يقال تحويل التراب الي ذهب.
في الثمانينات، و دعما لصورة الزعيم المنتظر الذي ينجح في كل المجالات، انتقل ترامب الي مجال انشاء و تملك كازينوهات القمار الفخمة في اتلانتا، و حقق ارباحا كبيرة اغرته فيما بعد علي انشاء كارينو ثالث بالغ الفخامة و الضخامة بتكلفة مليار دولار اسمه تاج محل،لكنه افلس بعد شهرين، فلجأ الي المضاربة في البورصة و بيع اسهم و ممتلكات لسداد ديونه،بعدما كانت علامته التجارية و امبراطوريته العقارية المليارية الاصول توسعت لتشمل قصرا و منتجع جولف مارالاجو في ميامي و شركة جوية و يخت و فريق كرة قدم، و فندق ثالث فخم اسمه نيويورك بلازا عهد بادارته الناجحة الي زوجته .كما ساهم ابنه و ابنته في ادارة عائلية لشركات منظمته.
اثمرت جهود ترامب في انعاش مدينتين ثم ظهوره حتي في مطلع القرن بمسلسل تلفزيوني شهير يمتحن طالبي العمل في شركاته، و كذا مؤلفات عن تمكنه من فن التفاوض و ابرام الصفقات بالاضافة الي اشادة ريجان به كنموذج لرجال الاعمال البازغين في اعلاء مكانته في نظر مؤيديه كقيادي منمق حاسم القرار جامح يفرض نفسه علي محاوريه و معارضيه، بعقلية محارب متيقن من النجاح و حدسي قادر علي انجاز احلامه وافكاره ، حتي شكلوا حركة تطالبه عام ١٩٨٨ بالترشح للرئاسة، لكنه آثر الانتظار حتي تتزايد فرص فوزه، و مع اجتذابه للمشاهير للاقامة و الترفيه في منشآته او لحضور مناسبات مباريات المصارعة و سباق السيارات التي اقامها و تزايد شهرته فكر في ان يستجيب للترشح للرئاسة عام ١٩٩٨ عن حزب الاصلاح الذي جمع ليبراليين و يساريين و محافظين،، لكنه تراجع بعدما توصل لقناعة انه لا يمكن النجاح الا عبر ترشيح من اي الحزبين الجمهوري و الديمقراطي، و هو ما تحقق عام ٢٠١٥ بعد انضمامه لاتحاد المحافظين و تأسيس حركة بين الجمهوريين بشعار جعل امريكا عظيمة مرة اخري، الذي تنامي مدفوعا بتواصل ترامب المباشر بالناخبين عبر منصة تويتر، ففاز بمنصب الرئاسة للفترة من ٢٠١٧ لفترة ٤ سنوات، و رغم خسارته في الانتخابات التالية الا انه مازال مرشحا و بقوة رغم القضايا المثارة ضده للعودة للرئاسة بدءا من ٢٠٢٥.
و بعد، فهذا المقال ليس عرضا لسياساته و لا حتي وجهات نظر منتقديه، و لا يمثل انحيازا له او ضده، بل هو علي الاحري عرض لمسيرة صعود نحو الزعامة، حسبما رأي مؤيدوه، عل دروسها تزيد مساحة الوعي، و تقدم رغم اختلاف الظروف دروسا او عبرا للطامحين في القيادة و الحالمين بالمجد ان توافرت لهم الامكانيات و القدرات.
طبيب و سفير سابق