منذ اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في السابع من أكتوبر الماضي، قُتل أكثر من عشر آلاف شخص، ولا يزال هذا العدد في ارتفاع، وقد أصبحت هذه الجولة الأكثر دموية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ عشرين عاما. من الشوارع إلى المنازل، ومن المستشفيات إلى مخيمات اللاجئين، يتعرض قطاع غزة لهجوم مستمر. وقد ذكرت العديد من المنظمات الدولية مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية في 10 نوفمبر الجاري أن الوضع الإنساني الحالي في قطاع غزة قد تدهور، ومع تعرض المستشفيات للهجوم وزيادة الضغط على المرافق العامة، لم يعد هناك أي مكان آمن في غزة.
إنه إجماع الغالبية العظمى من الدول على وقف إطلاق النار ووقف القتال ومنع وقوع المزيد من الكوارث الإنسانية الخطيرة. وفي 27 أكتوبر الماضي، بأغلبية 120 عضوا اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو إلى هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة؛ وفي 10 نوفمبر الجاري، أصدر مندوبو مكاتب سبعين دولة ومنطقة لدى الأمم المتحدة في جنيف بيانا مشتركا، دعوا فيه المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراء فوري والالتزام بالمسؤولية التي حددها القانون الدولي لوقف الصراعات العنيفة في قطاع غزة؛ ودعا زعماء الدول العربية والإسلامية في البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية المشتركة التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض في 11 نوفمبر الجاري، إلى كسر الحصار على غزة وإدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري ورفضوا وصف الحرب الانتقامية الإسرائيلية على أنها دفاع عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة.
ومع ذلك، فإن بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي كثيرا ما تتهم دولا أخرى بارتكاب “إبادة جماعية”، تختار غض الطرف والتستر على المأساة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة حاليا. وتضغط الولايات المتحدة على الدول الأخرى لإدانة هجمات حماس على المدنيين، ولكنها تقلل من حقيقة أن الغارات الجوية الإسرائيلية تسببت في وقوع إصابات واسعة النطاق في صفوف المدنيين وأن الحصار الإسرائيلي على غزة تسبب في أزمة إنسانية خطيرة؛ فهي تؤكد فقط على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس من دون مناقشة ما إذا كانت الأعمال العسكرية الإسرائيلية مناسبة، ناهيك عن الخلفية التاريخية للظلم الطويل الأمد الذي عانى منه الشعب الفلسطيني، واستخدمت قوتها في الخطاب الدولي للعب “المعايير المزدوجة”.
لقد تطور الوضع في الشرق الأوسط حتى يومنا هذا، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تفلت من اللوم. واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد العشرات من مشاريع القرارات بشأن الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية الإسرائيلية، مما يجعل من الصعب على مجلس الأمن أن يلعب دوره الواجب والمسؤول والبناء في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية الإسرائيلية وأن يعمل بشكل فعال في تعزيز تنفيذ “حل الدولتين”.
وباعتبارها حليفا قويا لإسرائيل، أعربت الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل عدة مرات منذ اندلاع هذه الجولة من الصراع. فهي لم ترسل قوات عسكرية إلى الشرق الأوسط وقدمت قدرا كبيرا من المساعدات العسكرية لإسرائيل فحسب، بل استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشاريع قرارات في مجلس الأمن بشأن الوضع بين فلسطين وإسرائيل، ومشاهدة الصراع المتصاعد بلا مبالاة، وكل هذه الأمور أعاقت جهود المجتمع الدولي لحل الصراع وتعزيز محادثات السلام وأهدرت أيضا وقتا ثمينا في تنفيذ عمليات الإغاثة الإنسانية.
لقد كشفت المحسوبية السياسية والعسكرية الواضحة التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه إسرائيل بشكل كامل عن “معاييرها المزدوجة” الثابتة المتمثلة في “دعم إسرائيل وقمع فلسطين” وكثفت مواجهتها مع العالم العربي برمته. وخاصة بعد قصف مستشفيات في قطاع غزة، اندلعت موجات معادية لأمريكا في العالم العربي والإسلامي، حيث نظم مواطنون مسيرات خارج السفارة الأمريكية في الأردن ولبنان، مرددين شعارات مناهضة للولايات المتحدة واحتجاجا على تحيزها لإسرائيل. كما نظم المواطنون في تونس وتركيا وإيران ودول أخرى مسيرات للتعبير عن الدعم للشعب الفلسطيني وإدانة الهجوم على المستشفيات في قطاع غرة.
إن الولايات المتحدة كقوة عالمية لم تلعب دورها الواجب في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين في هذه الجولة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبدلا من ذلك، واصلت “صب الوقود على النار” ولعبت دورا مشينا للغاية. وفيما يتعلق بالوضع الحالي، فإن أي خطة وساطة لا تهدف إلى وقف إطلاق النار ووقف القتال وتنفيذ الإغاثة الإنسانية، هي تجنب ما هو مهم والتقليل من حجم المشكلة. إلا أن مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة يتضمن المنطق الخاطئ المتمثل في تبرير المواجهة الحضارية والحرب والقوة، كما أنه ينطوي على نزعة خطيرة لإدخال الكراهية والمواجهة بين فلسطين وإسرائيل في حلقة مفرغة.
إن تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط هو الأمل المشترك للمجتمع الدولي. كما أكدت الصين مرارا وتكرارا، فإن الحل الأساسي للقضية الفلسطينية لا يزال يكمن في تنفيذ “حل الدولتين” وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ويتعين على كل من فلسطين وإسرائيل ممارسة ضبط النفس واستئناف محادثات السلام وتجنب التسبب في أزمة إنسانية أكثر خطورة. وباعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعضوا مسؤولا في المجتمع الدولي، ستواصل الصين الحفاظ على اتصالات وثيقة مع الأطراف المعنية وبذل أقصى جهودها لحماية المدنيين وتهدئة الوضع واستئناف محادثات السلام وتحقيق السلام.
الإعلامية الصينية
ليانغ سوو لي