أرسلت سفارتي أوكرانيا والتشيك بالقاهرة مقال حول ما يحدث في عالم الإنترنت من تزييف للحقائق ورد للموقع نسخة منه حيق يقول:” إنه وفي عام 1993 تم تقديم أحد أعظم اختراعات البشرية للمصريين ألا وهو الإنترنت. وفتح الإنترنت عالماً جديداً، ليس فقط للمصريين ولكن للجميع في أنحاء العالم.
ولكن، بقدر ما أصبح الإنترنت متاحًا لعدد كبير من الناس، بدأ المحتوى يتغير أيضًا. وبدلاً من المعلومات الصادقة ذات الصلة، كانت هناك بعض المعلومات المتحيزة، وبدأت جهات فاعلة مختلفة في نشر معلومات خاطئة ونشر المفاهيم المغلوطة وعلى أمل خدمةأغراضهم الخاصة.
ويمكن ملاحظة ذلك في العديد من المواقف، إلا أن المعلومات الخاطئة حول الحرب في أوكرانيا هي واحدة من أفضل الأمثلة لإظهار هذا الزيف.
لذلك، دعونا نحلل معًا الأكاذيب التي يروج لها في الغالب الكرملين- الرئاسة الروسية- في ضوء الحقائق الفعلية.
وبوسعنا أن نبدأ بمذكرة بودابست للضمانات الأمنية-وهي معاهدة دولية وُقعت في 5 ديسمبر 1994 في بودابست بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتتعلق المعاهدة بنزع السلاح النووي الأوكراني والضمانات الأمنية لاستقلال أوكرانيا، والتي كانت روسيا من بين الدول الموقعة عليها، نرى أنوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يدعي أن روسيا ملتزمة فقط بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا ولا شيء أكثر من ذلك.
ومع ذلك، يمكن لأي شخص الاطلاع على محتويات هذه الوثيقة، وهي متاحة بسهولة من خلال رابط الإنترنت. ولسوء الحظ، فبالنسبة لمعظم مستخدمي الإنترنت، من الأسهل قراءة صفحة الويب القصيرة الملونة مقارنة بالمستند الأصلي، وبالتالي يصبح من الصعب رؤية الأكاذيب الصارخة التي يدعيها الجانب الروسي.
وتتكون المذكرة من ست فقرات، تؤكد الفقرتان الأوليتان صراحة على استقلال أوكرانيا وسيادتها وحدودها الحالية والالتزام بالامتناع عن استخدام القوة أو أي أسلحة ضد سلامة أراضيها، وذلك بالإضافة إلى عدم وضع ضغوط اقتصادية على أوكرانيا للتأثير في سياساتها.
ولذلك فإن تأكيد الوزير لافروف هو كذبة جريئة، لأنه يركز بشكل انتقائي على استخدام الأسلحة النووية بينما يتجاهل الالتزامات الأوسع الواردة في الوثيقة. وهذه ممارسة شائعة لدى المضللين، حيث يختارون جزءًا فقط من النص الممتع الذي يخدم احتياجاتهم دون الكشف عن سياق الوثيقة بالكامل. وهذا لا يسلط الضوء على الباطل فحسب، بل الأهم من ذلك أنه يكشف حقيقة أن الاتحاد الروسي قد انتهك المذكرة نفسها وميثاق الأمم المتحدة المشار إليه فيها.
علاوة على ذلك، انتهكت روسيا من جانب واحد “معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا” الموقعة في عام 1997، حيث تنص المادة 2 من هذه المعاهدة على ما يلي: “يحترم الطرفان الساميان المتعاقدان، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والالتزامات بموجب الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، سلامة أراضي بعضمها البعض ويؤكدان من جديد حرمة الحدود القائمة بينهما.”
ومع ذلك، لا تعد شبكة الإنترنت الأداة القوية وحدها، إذ يمكن أن تكون نفس الكلمات الجارحة والمضللة هي نفس الكلمات الزائفة المنطوقة التي تنقلها وسيلة أخرى مثل التليفزيون.
وفي مقابلة تليفزيونية في عام 2008 مع شبكة “آيه آر دي” الألمانية صرح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”بأن موسكو اعترفت منذ فترة طويلة بحدود أوكرانيا كما هي اليوم، وأن شبه جزيرة القرم ليست منطقة متنازع عليها.
في 19 ديسمبر 2013، عندما سُئل بوتين عما إذا كان من الممكن دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، أجاب الرئيس الروسي: “لدينا اتفاق بشأن وجود الأسطول الروسي هناك، وقد تم تمديد الاتفاق لمصلحة البلدين.. نحن قلقون بشأن وضع مواطنينا، لكن هذا لا يعني أننا نعتزم استخدام سيوفنا” أوإرسال قوات إلى هناك”.. وأضاف بوتين:”هذه الأفكار محض هراء، وهي غير موجودة ولن تكون موجودة”.
ومع ذلك، في عام 2014، مستغلة حالة الضعف التي يعاني منها الجيش الأوكراني والأزمة السياسية، أرسلت روسيا معدات عسكرية وقوات مسلحة مجهولة إلى شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى الجنود الروس المتمركزين في سيفاستوبول.
وينتهك مثل هذا الإجراء ميثاق الأمم المتحدة وقواعد الحرب ويُنظر إليه على أنه عمل إرهابي في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من إعلان التلفزيون الروسي عدة مرات أن الغزو لن يحدث أبدًا، إلا أن هذه القوات التي أرسلتها روسيا شرعت في منع الوحدات العسكرية الأوكرانية والمؤسسات الحكومية من القيام بعملها، مما أدى إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي.
لذلك، في عام 2014، ضم الاتحاد الروسي شبه جزيرة القرم، ووضع بوتين هدفا جديدا يتمثل في بسط السيطرة على المناطق الشرقية والجنوبية من البر الرئيسي لأوكرانيا. ولتحقيق ذلك، انخرطت روسيا في أنشطة تخريبية، في المقام الأول في دونباس، من خلال إرسال مجموعاتها التخريبية وجنود قواتها النظامية الداعمة لها وتزويدها بالأسلحة الثقيلة والذخائروالدعم المادي والإعلامي المكثف بهدف إشعال فتيل الصراعوخلق صورة الحركة الانفصالية الموالية لروسيا أمام أعين المجتمع الدولي.
بوتين ينافس النازي
ثم، في 24 فبراير 2022، انتهكت روسيا مرة أخرى التزاماتها وغزت أوكرانيا بشكل مخادع دون إعلان رسمي للحرب، مستخدمة ذريعة وإدعاء “تحرير” سكان دونباس من النازية.
الجدير بالملاحظة أن بوتين استخدم في خطابه تصريحات مشابهة لتلك التي أدلى بها هتلر أثناء الاستيلاء على “السوديت”- إقليم يقع في غرب التشيك على الحدود مع ألمانيا – وغيرها من الأراضي. وعلى وجه الخصوص، حين قال بوتين إن شبه جزيرة القرم كانت دائمًا روسية: “في قلوب وعقول الناس، كانت شبه جزيرة القرم دائمًا وستظل جزءًا لا يتجزأ من روسيا”. بينما كان هتلر يقول: “كان السكان الألمان في السوديت ولا يزالون ألمان””
وأعلن حاكمروسيا أنه سيحمي حقوق الروس في كل مكان، وكذلك ادعى الفوهرر النازي أن أكثر من مليون شخص من الدم الألماني وجدوا أنفسهم في 1919-1920 خارج حدود وطنهم، ومن مسؤوليته إعادة توحيدهم.
وانتقد بوتين الدول الغربية لإحجامها عن التعاون “بشكل بناء”، واشتكى هتلر من رفض الغرب لجهوده لتحسين العلاقات.
وقال بوتين إن روسيا سترد على العقوبات الغربية. وقال هتلر إنه “كونه اشتراكيًا قوميًا، فقد اعتاد على الرد على المعتدين””
إلى جانب كل ما سبق، أعلن قائد الدفة الروسي أنه لن يغزو مناطق أخرى من أوكرانيا إذا تمكنت روسيا من بسط نفوذها. وقال “لا تصدقوا أولئك الذين يخيفونكم بروسيا، ويصرخون بأنه ستكون هناك مناطق أخرى باستثناء شبه جزيرة القرم. لا نريد تقسيم أوكرانيا، ولسنا بحاجة إليها””
وادعى هتلر أيضًا أن طموحاته لم تتجاوز النوايا الأساسية حين قال: “أعلن أن الحدود بين فرنسا وألمانيا نهائية. وألمانيا ليس لها مصلحة في الغرب”.”
وبعد خمسة شهور، احتل بقية تشيكوسلوفاكيا وبعد 14 شهرًا غزا فرنساتمامًا كما أن هدف الغزاة الروس لم يقتصر على دونباس، بل شمل الاستيلاء على كامل الأراضي الأوكرانية.
الشعور الأوكراني بالتحدي والوحدة
استراتيجية بوتين الخاطئة المتمثلة في استهداف البنية التحتية المدنية في أوكرانيا جاءت بنتائج عكسية، بما في ذلك استهدافه مراكز الطاقة والمدارس والمستشفيات والأسواق والمجمعات السكنية، وكان ذلك على أمل إثارة المعاناة والسخط بين السكان.
وقد جاءت نفس الاستراتيجية بنتائج عكسية وبنفس الطريقة، حين استهدفت ألمانيا النازية المدن البريطانية وسكانها خلال الحرب العالمية الثانية. وبدلاً من شعور المواطنين بالضجر، احتشد الأوكرانيون حول حكومتهم وقواتهم المسلحة، وأظهروا تصميماً متزايداً على الدفاع عن وطنهم. لقد أدى الدمار الذي أحدثته روسيا إلى تغذية الشعور بالتحدي والوحدة بين الشعب الأوكراني.
ومن المعلومات المضللة الأخرى التي نشرها الموالونلروسياوالذين يحاولون تبرير عدوانهم مدعين أن روسيا تم التلاعب بها من قبل الناتو لغزو أوكرانيا.
وقدم أولئك المدعين على وجه الخصوص، نظريات ملفقة حول التدابير الوقائية والضربات الاستباقية المزعومة. ومع ذلك، فإن هذا محض هراء، يهدف إلى إخفاء حقيقة أنهم يعتبرون أوكرانيا جزءًا من الأراضي الروسية ومنطقة سيطرتها، والتي تم انفصالها مع انهيار الاتحاد السوفيتي.وكما أصبحت مصر مستقلة، نالت أوكرانيا استقلالها. وهذا الادعاء يعادل عبارة افتراضية لأي دولة تقول: «حسنًا يا مصر، لأنك تريدي أن تكون سياستك الخارجية على هذا النحو، سوف نهاجمك». لا، إنه حق سامي لكل دولة مستقلة في العالم أن تقرر سياستها الخاصة.
علاوة على ذلك، على النقيض من تصرفات روسيا، فإن الدول الأوروبية الأطلسية، لم تطالب بالأراضي الأوكرانية باعتبارها أراضي خاصة بها، ولم تعلن أنها جزء من أراضيها، ولم تشارك في تدمير البنية التحتية المدنية.
وخلافاً لمعتقدات بوتين، فإن الأوكرانيين يؤيدون بأغلبية ساحقة استمرار القتال ضد العدوان الروسي. وكما هو الحال مع كل دولة في وضعها، وكما قاوم المصريون مستعمريهم، فإن الشعب الأوكراني سيواصل قتاله ضد المستعمرين الجدد بالأمل. وكان لسياسة “إزالة النازية” المزعومة من قِبَل بوتين تأثير عكسي، حيث وقف الأوكرانيون بشكل أكثر حزماً في الدفاع عن قيمهم وتقاليدهم ضد المعتدي.
إن تماسك السكان الأوكرانيين وإصرارهم يشكلان عاملاً رئيسياً في صمود أوكرانيا الملحوظ في مواجهة الغزو المستمر.
دعم عالمي للشعب الأوكراني
علاوة على ذلك، فإن ما لم يتوقعه الممثلين لروسيا، هو أن أوكرانيا لا تقف بمفردها. فلقد تلقت دعمًا دبلوماسيًا ضخمًا من الغالبية العظمى من الدول حول العالم، كما أثبتت العديد من عمليات التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وصوتت مصر لصالح هذه القرارات التي تستنكر الغزو الروسي لأوكرانيا وتطالب بالانسحاب الكامل لقواتها أيضا.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند مجرد الدعم الدبلوماسي. وقد تلقت أوكرانيا دعماً إنسانياً ومالياً واقتصادياً وعسكرياً هائلاً من العديد من دول العالم. وبما أن هذه الدول تدرك جيداً، كما تفهم مصر، أنه لا يمكن لأحد أن يشعر بالأمان إذا قررت إحدى القوى مهاجمة جارتها الأصغر دون عقاب.
معركة العقول
ما يجب أن نفهمه جميعًا هو أن ساحة المعركة ليست فقط في سهول أوكرانيا النائية، ولكن المعركة تدور أيضًا في الفضاء الإلكتروني. والمعركة من أجل عقول الرأي العام العالمي شرسة مثل المعركة الحقيقية في الخطوط الأمامية. ولذلك نعتقد أن الطريق إلى معرفة الحقيقة هو من خلال التحقق من الحقائق ومتابعة الأحداث التي أدت إلى هذا الصراع.