اكثر من 200 عام هندسة فى مصر تخرج فيها علماء ومعماريين وخبراء فى الهندسة خير خلف لخير سلف لاجدادهم بناة الاهرامات والمعابد والحضارة .. و كلية الهندسة بجامعة القاهرة واحدة من أعرق كليات الهندسة فى المنطقة ، إذ أنها الكلية الأولى التى أنشئت فى مصر باسم “المهندسخانة”، التى أسسها محمد على باشا رائد النهضة المصرية فى العصر الحديث، لوحصرنا قائمة عظماء الهندسة فى مصر فهى تطول منهم من شارك فى بناء الوطن ومنهم من خرج الى العالمية ليساهم فى بناء دول أخرى .. منهم قامة هندسية رفيعة المستوى رحلت عن عالمنا فى اغسطس 2008 صاحب عبقرية هندسية مصرية فذة وفى سبتمبر الحالى تحل ذكرى ميلاده الذى تواكب مع عام مولد جامعة القاهرة 1908 ، ليتزامن ميلاده مع ميلاد بارقة العلم فى مصروالشرق الأوسط ويصبح بعد أعوام من افتتاحها أحد روادها ونوابغها بمسيرة علمية فائقة تبعها ابداع هندسى لأضخم المشروعات داخل وخارج مصر يشار لها بالبنان اعجاباً وتقديراً.
من منا لم يتعلق قلبه ووبصره وروحه بالأماكن المقدسة ..نتعلق اشتياقاً وانبهاراً بعظمة المكان والعقل يتساءل ويتدبرحول كل هذا التطوروالجمال والمعمارالهندسى الرائع للحرمين المكى والنبوى ..فإذا قيل أن القرآن الكريم نزل فى مكة وقُرىء فى مصر ..فأن الحرمين المكى والنبوى تواجدا فى السعودية ولكن العقل والأيدى المصرية هى من طورتهما وأبدعت فى عمارتهما الهندسية على هذا النحو المبدع.. ولكى تعرف الفارق بين ما كان عليه الحرم قديماً وحاله الآن عليك مراجعة الصور او سؤال الأجداد ممن خاضوا رحلة الحج خلال الحقب الماضية ..أما من كان له شرف تطوير بيت الله الحرام فهو شيخ المعماريين المصريين الدكتور المهندس محمد كمال إسماعيل والذى رفض الحصول على أجر لكن الملك أصر على حصوله على مقابل فرضخ لرغبة العاهل السعودي بالحصول على أجر رمزي لكنه ترك “الشيك” عند سفره لمصر
كان أصغر من حصل على الثانوية في تاريخ مصر، وأصغر من التحق بمدرسة الهندسة الملكية الأولى، وأصغر من تخرج فيها، وأصغر من تم ابتعاثه إلى أوروبا للحصول على ثلاث شهادات للدكتوراه في العمارة الإسلامية، كما كان أول مهندس مصري يحل محل المهندسين الأجانب في مصر، وكان أيضا أصغر من حصل على وشاح النيل ورتبة البكوية فى العصر الملكى
حيث التحق بالمدرسة الإبتدائية بمدينته وكان تفوقه ونبوغه ملحوظاً ، وكان لانتقال اسرته الى مدينة الاسكندرية أثره فى تنمية ذوقه واحساسه بالجمال بجوار البحر المتوسط ، والثروة المعمارية أوربية الملامح ..والتحق بمدرسة العباسية ومنها للقاهرة ليلتحق بجامعة فؤاد الأول ليدرس الهندسة بها ليكون واحداً ضمن سبعة طلاب هم عدد طلاب دفعته آنذاك وكان يدرس لهؤلاء الطلاب السبعة أساتذة من انجلترا وسويسرا فعلموهم فنون العمارة العالمية لكنه تأثر بفن العمارة الإسلامية ليبدع فيها عقب التخرج وحصوله على بكالوريوس الهندسة فى بداية الثلاثينات
حيث قام بدراسة شاملة عن المساجد المصرية وسافر بعدها الى فرنسا للحصول علي الدكتوراة التي حصل عليها للمرة الأولي في العمارة من مدرسة بوزال عام ١٩٣٣ ، ليكون بذلك أصغر من يحمل لقب دكتور في الهندسة بعدها بسنوات قليلة حصل على درجة دكتوراة أخرى في الإنشاءات ثم عاد إلي مصر ليلتحق بالعمل في مصلحة المباني الأميرية التي شغل منصب مديرها في عام 1948، حيث كانت المصلحة وقتها تشرف علي بناء وصيانة جميع المباني والمصالح الحكومية
قام بتصميم العديد من الهيئات ومنها دار القضاء العالي ، مصلحة التليفونات، ومسجد صلاح الدين بالمنيل ، الذي يعد تحفة أقيمت علي نسقها عدد من المساجد في دول الخليج.وقام بتصميم مجمع المصالح الحكومية الشهير بمجمع التحرير الذي انشىءبتكلفة ٢٠٠ ألف جنيه بالنسبة للإنشاءات، ومليون جنيه، بالنسبة للمباني التي بلغ ارتفاعها ١4 طابقا، وجعل له فناء داخليا كالقصور القديمة التي تتميز بها العمارة الإسلامية وكان لتصميم المبني علي شكل القوس دوراً في تحديد شكل ميدان التحرير، وما تفرع منه من شوارع علي حد وصف المعماريين
توسعة الحرمين :
إلا أن عملية توسعة الحرمين المكي والنبوي التي كلفه بها ملك السعودية الراحل فهد بن عبد العزيز ، تظل الأهم والأبرز في مسيرته المعمارية حيث تعتبر أكبر توسعة للحرمين في تاريخ الإسلام ، وعلى امتداد 14 قرنا. وتقديرا لجهوده فى هذه التوسعة فقد منحه الملك فهد جائزة الملك فهد للعمارة
قدم دكتور محمد كمال إسماعيل للمكتبة العربية والعالمية موسوعة مساجد مصر في أربع مجلدات عرض فيها لتصميمات المساجد المصرية وطرزها وسماتها المعمارية التي تعبر كل منها عن مرحلة من مراحل الحضارة الإسلامية، وقد طبعت تلك الموسوعة فيما بعد في أوروبا ونفدت بأكملها فلم يعد منها أي نسخ سوي في المكتبات الكبري, وقد كانت تلك الموسوعة سببا أيضاً في حصوله علي رتبة البكوية من الملك فاروق تقديراً لجهوده العلمية في تقديمها. رحل هذا العبقرى عن عالمنا فى2 أغسطس 2008 عن عمر يناهز 99 عاما