منذ طرحها 2013 مدت مبادرة “الحزام والطريق” جذورها في الشرق الأوسط وحققت نتائج مثمرة فيها، وانضمت 19 دولة في الشرق الأوسط إلى عائلة “الحزام والطريق”، ومن وقتها تعمل دول المنطقة على تسريع وتيرة المواءمة بين خططها المتوسطة والطويلة المدى مع مبادرة “الحزام والطريق” بما فيها رؤية 2030 لــ مصر
وفي السنوات الأخيرة حققت الصين ودول الشرق الأوسط تقدما في بناء تفاهمات حول مبادرة “الحزام والطريق” على الرغم من تداعيات جائحة “كوفيد 19” مما يظهر الصمود القوي والحيوية الكبيرة للمبادرة في الشرق الأوسط.. المبادرة الجديدة ليست مجرد إحياء للطريق القديم كطريق للتعاون التجاري، بل برؤية تتناسب وما يشهده العالم من تطورات، ليكون طريقا اقتصاديا تنمويا استثماريا يساعد الدول المتشاطرة لهذا الطريق في تحقيق أهدافها التنموية وطموحات شعوبها في الرخاء والرفاهية .. انطلاقا من المقولة الصينية “إذا صرنا معا نصل أسرع”.
وفي عام 2021 ظلت الصين أكبر شريك تجاري لدول الشرق الأوسط حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى حوالي 400 مليار دولار أمريكي بزيادة قدرها 35.7 على أساس سنوي.
وفي يوم 7 سبتمبر 2013، أطلق الرئيس شي جين بينغ دعوته لبناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، حيث قال وقتها خلال محاضرته بجامعة “نزار باييف” بكازاخستان، :”لإقامة روابط اقتصادية أقوى وتعميق التعاون وتوسيع التنمية في المنطقة الأوراسية يجب أن نعتمد أسلوبا مبتكرا ونتعاون على بناء حزام اقتصادي لطريق الحرير” وكان هذا أول اقتراح لمبادرة الحزام والطريق لإحياء طريق الحرير القديم، والذي كان طريق العالم إلى الصين للحصول على الحرير والخزف والورق والبارود وغيرها من السلع الصينية النفيسة.
رؤية مستقبلية
وأكدت الصين والدول العربية على أن المسؤولية مشتركة في بناء “الحزام والطريق” ولابد من احترام و مقاصد ومبادئ “ميثاق الأمم المتحدة” والقانون الدولي وتعزيز السلام ودفع التعاون متبادل المنفعة، من أجل تحقيق النمو والتنمية الشاملة والمستدامة ورفع مستوى معيشة الشعوب، وتعزيز التعاون الصيني العربي بما يحقق السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وبما يساهم في الحفاظ على سيادة واستقرار ووحدة الدول العربية وسلامتها الإقليمية، وإقامة علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتكريس الإنصاف والعدالة والتعاون والكسب المشترك لمستقبل أفضل في ظل مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.
ولاشك أن استكشاف الطرق التنموية المتناسبة مع الخصوصية الوطنية وبشكل مستقل عملية أساسية في عملية التعاون في بناء “الحزام والطريق” ووفقا للقوانين المعمول بها وطنيا لدى الجانبين، وللإرث التاريخي والتقاليد الثقافية ومستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستيعاب التجاري مع الحفاظ على الاستقلالية، والاستمرار في توسيع دائرة الانفتاح وتعزيز التعاون وتحقيق التنمية.
ويسعى الجانبان إلى مواصلة الجهود لزيادة التعاون الصيني العربي في بناء “الحزام والطريق” وفتح آفاق أوسع لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لبناء مستقبل أفضل للعلاقات الصينية العربية.
دور الصين في ضمان التعاون
وترى الصين أن التعاون في بناء الحزام والطريق يساهم في إزالة الحواجز وتعزيز الاندماج الاقتصادي الإقليمي وإضفاء القوة الدافعة الداخلية لتحقيق التنمية والازدهار وإعمالا للحق في التنمية الذي يعد أحد حقوق الإنسان، ويواصل الجانبان الصيني والعربي الجهود لإثراء مقومات الحوار بين الحضارات وتعزيز التعاون في مجال مكافحة التطرف والإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وكذلك تعزيز التعاون في بناء القدرات على حفظ الاستقرار وحسن الاستفادة من المساعدات المقدمة من الجانب الصيني بقيمة 300 مليون دولار أمريكي، لإجراء التعاون في مجال إنفاذ القانون وتدريب الشرطة والبحث في مشاريع التعاون الجديدة وفقا لمدى التنفيذ والحاجات الواقعية لمساعدة دول المنطقة على رفع القدرات في حفظ الاستقرار وأيضا من خلال استكمال الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف والعمل معا على حماية حرية الملاحة البحرية وسلامة الممرات البحرية ومواجهة القرصنة.
تحديات
وشكل الصعود الصيني الهائل في حد ذاته هاجسا كبيرا وقلقا بالغا لدى القوى الغربية الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى الصين وروسيا من المهددات المستقبلية، فإذا كان الوضع كذلك فيما يتعلق بصعود الصين الاقتصادي والتكنولوجي والثقافي بمفردها، فما بالنا والقوى الكبرى ترى الصين تقود وتحشد حولها عشرات الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لرسم طريق ونمط تنموي جديد يمكن أن يتطور مستقبلا إلى نمط سياسي وثقافي وحضاري، بحسب المخاوف الغربية، فلا شك أنهم سيتعاملون مع الوضع بوصفه يمثل تهديدا صارخا لمصالح الدول الكبرى.
وترى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها أن مبادرة الحزام والطريق بقيادة الصين تحد من النفوذ والطموحات الأمريكية وتشجع الكثير من الدول على الخروج من العباءة الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالجوانب التنموية إذ يرون في مبادرة الحزام والطريق البديل السريع والأمين والموثوق فيه والشريك التنموي الفاعل فضلا عن أن الدول الكبرى قد ترى المبادرة تجمعا للقوى والدول والاقتصادات الناشئة، ما قد يتسبب في تقلص نصيب الاقتصاد الأمريكي بالأسواق العالمية، كما أنه يمثل تهديدا للنفوذ الأمريكي والغربي في العديد من مناطق العالم ومن أبرزها آسيا الوسطى وأفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم.
الوضع الأمني
اتساع نطاق عمل المبادرة شرقا وغربا شمالا وجنوبا واعتمادها على التعاون الاقتصادي الفعال بين دول المبادرة من خلال الممرات الاقتصادية التي أقامتها والتي تمتد بين العديد من الدول، يجعلها دوما عرضة للتهديدات الأمنية، إما نتيجة القرصنة البحرية، كما هو الحال في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب أو التحرشات العسكرية نتيجة الخلافات السياسية، كما هو الحال في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وبحر قزوين، أو من خلال الحروب كالحرب الروسية الأوكرانية أو من خلال الصراعات الداخلية كما هو الحال في العديد من دول العالم ومن بينها أفغانستان على سبيل المثال.
وعلى الرغم من هذه التحديات وتأثيرها السلبي الذي لا ينكره أحد فإنه يمكن لمبادرة الحزام والطريق أن تلعب دورا إيجابيا مهما في احتواء آثار هذه التهديدات الأمنية بل يمكن أن تصير ورقة تشجيع للأطراف المختلفة على التوصل إلى قواسم مشتركة بعيدا عن النزاع والصراع ويمكن أن يمثل حلا للكثير من الأسباب التي أدت إلى بروز هذه الصراعات.
أهداف تنموية
وتعلم شعوب المبادرة أن إطلاق المبادرة يستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف المهمة ومنها ربط الدول الأعضاء ببعضهم بعضا من خلال إقامة بنية تحتية قوية وإنشاء محاور وشبكات طرق ومواصلات واتصالات متعددة بهدف تحفيز الاستثمار وتسريع محركات التنمية حيث تتضمن المبادرة نحو ألف مشروع تنفذ تدريجيا تسعى من خلالها إلى ربط آسيا وأفريقيا وأوروبا عبر شبكة مواصلات وبناء موانيء ومطارات وإنشاء مناطق تجارة حرة، إلى جانب أنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية وشبكات الإنترنت والبنى التحتية.
وفي ظل أزمة الدولار ظهرت الحاجة لتحقيق التكامل المالي بين الدول الأعضاء وتحسين الوضاع المالية والنقدية وتعزيز مكانة العملات الوطنية بما في ذلك اليوان الصيني على الصعيد العالمي، وتشجيع استخدامها في تسوية التعاملات التجارية بين الدول الأعضاء في المبادرة، وهو ما يعد خطوة بالغة الأهمية، حيث تستهدف الصين من جانبها توسيع نطاق تداول عملتها الوطنية وجعلها عملة رئيسية في التبادل التجاري العالمي، خاصة بعدما تمكن اليوان عام 2016 من الانضمام إلى سلة حقوق السحب الخاصة التابعة لسلة النقد الدولي إلى جانب أربع عملات أخرى مدرجة.
وبالفعل أجرت الصين وروسيا وبعض الدول الأخرى تعاونا جديدا في مجال تسوية الحسابات بالعملة المحلية وحققوا نتائج ممتازة، وتراكمت تجارب وفيرة لديهم، بحيث يكون من الضروري تعميم هذا الأسلوب، إذا طبقت الدول المختلفة الصرف وتسوية الحسابات بالعملة المحلية في الحساب الجاري وحساب رأس المال، بحيث يمكن تخفيض كلمة التداول كثيرا، وزيادة القدرة على مقاومة المخاطر المالية، ورفع القوة التنافسية الدولية للاقتصاد الإقليمي.