بين يومي 20 و22 مارس، قام الرئيس شي جين بينغ بزيارة الدولة إلى روسيا تلبية لدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. خلال الزيارة، عقد الرئيسان محادثات صادقة وودية ومثمرة حول العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتوصلا إلى الكثير من التوافقات المهمة والجديدة.
أكد الجانبان مجددا على مواصلة الدعم للمصالح الجوهرية للجانب الآخر، والتصدي سويا لمحاولة القوى الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية، كما وقعا وأصدرا “البيان المشترك بين الصين وروسيا بشأن تعميق علاقات شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد” و”البيان المشترك بشأن التخطيطات للاتجاهات ذات الأولوية للتعاون الاقتصادي بين الصين وروسيا بحلول عام 2030″، الأمر الذي يعد التخطيط والتوجيه للعلاقات والتعاون بين البلدين في كافة المجالات في المرحلة القادمة.
تعتبر زيارة الرئيس شي جين بينغ هذه زيارة الصداقة والتعاون والسلام ولها الأهمية التاريخية. فيما يمر المجتمع الدولي بفترة يسودها القلق والحيرة، قام الرئيس شي جين بينغ مرة أخرى بتحديد اتجاه التقدم وفقا لقراءته الدقيقة للوضع العام، وضخ القوة المستقرة إلى الأوضاع الدولية المضطربة والشائكة بالسياسة الخارجية المستقرة للصين.
يولي الرأي العام الدولي اهتماما بالغا لهذه الزيارة، يعتبرها حدثا له تأثير عميق على الصعيد الجيوسياسي العالمي، ويعكس صورة الصين كـ”القوة الداعمة للسلام”، ويظهر دور الصين ومسؤوليتها كدولة كبيرة، ويساهم في دفع التعددية القطبية وديمقراطية العلاقات الدولية في العالم.
أولا، ضخت الزيارة قوة دافعة جديدة للعدالة والإنصاف الدوليين. قبيل الزيارة، نشر الرئيس شي جين بينغ والرئيس بوتين المقالات بقلمهما، ووصفا بدون اتفاق مسبق التعاون الاستراتيجي بين البلدين بـ”الدعامة” للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وخلال الزيارة، أجرى الرئيسان مباحثات استراتيجية وعميقة وطويلة الأمد حول القضايا الهامة المعنية.
إن الصين وروسيا دولتان كبيرتان وعضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، والعلاقات بينهما ترتبط بالاستقرار والأمن الاستراتيجي للعالم، وتتعلق بتغير معادلة العالم في المستقبل.
كلما تعقّد الوضع الدولي، كلما برزت الأهمية لتعزيز التنسيق والتعاون بين البلدين. أكد الرئيس شي جين بينغ أن الصين تلتزم بسياسة خارجية سلمية ومستقلة، وتصدر حكمها دائما وفقا لطبيعة الأمور. يحق لجميع الدول السير في الطريق التنموي الذي يتناسب مع الظروف الوطنية، ولا توجد في العالم دولة متفوقة على الآخرين، ولا يوجد نموذج الحوكمة الذي ينطبق على جميع دول العالم، ولا يوجد النظام الدولي الذي ينفرد فيه دولة معينة بالقرار، وما يتفق مع المصلحة المشتركة للبشرية كلها هو عالم متضامن وسلمي بدلا من عالم منقسم ومضطرب.
يجب على الصين وروسيا بذل جهود مشتركة في إرشاد ودفع الحوكمة الدولية نحو اتجاه يتفق مع تطلعات المجتمع الدولي، والدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. كما اتفق الجانبان على ضرورة تكريس القيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والعدالة والإنصاف والديمقراطية والحرية، والسعي للحوار والشمول بدلا من المواجهة وإقصاء الآخرين، بما يحقق التعايش السلمي والتعاون والكسب المشترك، ويعزز السلام والتنمية في العالم.
سوف ينظر ويطور الجانبان العلاقات بينهما برؤية واسعة ونظرة طويلة الأمد، ويلتزمان بصون المنظومة الدولية المتمحورة على الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم على القانون الدولي والأحكام الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على أساس مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويلتزمان بالتعددية الحقيقية وتدفعان التعددية القطبية وديمقراطية العلاقات الدولية.
ثانيا، نصبت الزيارة نموذجا جديدا للعلاقة بين الدول الكبيرة. تعد الصين وروسيا جارين صديقين تربطهما الجبال والأنهار. فإن توطيد وتطوير العلاقات الصينية الروسية يعد الخيار الاستراتيجي للصين وفقا لمصالحها الجوهرية وتطورات الوضع العام في العالم، وهو أمر لن يتغير أو يتزحزح مع مرور الوقت أو بسبب حدث معين. يسعى كل من الصين وروسيا إلى التنمية والنهضة، ويدعم التعددية القطبية ويدفع ديمقراطية العلاقات الدولية.
ويلتزم الجانبان بتوطيد وتطوير العلاقات الثنائية على أساس عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث، ولا يشكلان تهديدا لأي دولة في العالم، ولا يقبلان التشويش والتأليب من أي طرف ثالث، الأمر الذي يشكل نموذجا يحتذى به للنوع الجديد من العلاقات بين الدول الكبيرة الذي يسوده الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون والكسب المشترك.
قد أثبت التاريخ أن صمود العلاقات الصينية الروسية أمام تقلبات الأوضاع الدولية يرجع سببه إلى إيجاد الطريق الصحيح للتعامل بين الدول، إذ أن العلاقات الصينية الروسية علاقة شفافة، وهي تختلف تماما عن سياسة المحاور التي يسودها الانغلاق والإقصاء والمصالح الأنانية الضيقة. في ظل الوضع الجديد، تعمل الصين وروسيا على دفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، الأمر الذي لا يعود بالخير على الشعبين فحسب، بل سيقدم مساهمة جديدة للتنمية والتقدم للبشرية كلها.
ثالثا، توفر الزيارة أفكار جديدة لحل أزمة أوكرانيا. قبل فترة، نجحت السعودية وإيران في إجراء الحوار في بكين بدعم ورعاية الصين، وقررتا تحويل السيوف إلى المحاريث واستئناف العلاقة الدبلوماسية بينهما، ويتطلع المجتمع الدولي إلى دور الصين أكبر في تسوية القضايا الإقليمية الساخنة.
تصادف هذه الزيارة تصعيد أزمة أوكرانيا وازدياد تأثيراتها على البلدان الأخرى، ويشعر معظم الدول بقلق كبير ويدعو إلى تهدئة الوضع، ويزداد الصوت المسالم والعقلاني الداعي لوقف إطلاق النار. لم تكن الصين صانع أزمة أوكرانيا ولا طرف فيها، بل داع للحل السياسي ودافع للمفاوضات. في هذا السياق، يعرف الجميع مَن يسعى إلى تأجيج الأزمة ومَن يبذل الجهود السلمية.
أصدرت الصين مؤخرا وثيقة “موقف الصين من الحل السياسي لأزمة أوكرانيا”، التي تستوعب الانشغالات المعقولة لكافة الأطراف وتحظى بالفهم والتقدير الواسعين من المجتمع الدولي. كما تسجل أوكرانيا تقييمها الإيجابي لجهود الصين الرامية إلى وقف إطلاق النار، مؤكدة على اهتمامها بعلاقات الصداقة مع الصين وأملها في مواصلة الاتصال معها.
أجرى الرئيس شي جين بينغ حوارا صريحا ومعمقا مع الرئيس بوتين حول أزمة أوكرانيا، وقال إن الصراعات في التاريخ تحل في نهاية المطاف عبر الحوار ومفاوضات السلام. طالما تلتزم كافة الأطراف بمفهوم الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستدامة وبالحوار والتشاور المتساوي والعقلاني والعملي، يمكن إيجاد طريق معقول لحل أزمة أوكرانيا بكل التأكيد. من جانبه، أكدت روسيا على سعيها لاستئناف مفاوضات السلام في أسرع وقت ممكن، وترحب بدور الصين الإيجابي في حل أزمة أوكرانيا عن الطريق السياسي والدبلوماسي. تسعى الصين بصدق إلى إيجاد حل سلمي لأزمة أوكرانيا، ودفع وقف إطلاق النار، الأمر الذي يجسد التزام الصين كدولة كبيرة ومسؤولة، ويعد تجسيدا لدبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد في حل القضايا الدولية الساخنة، وهو يتفق مع المصالح والتطلعات شعوب العالم، بما فيه الشعبان الروسي والأوكراني.
اليوم، تتسارع تغيرات القرن، ويدخل العالم مرحلة جديدة من الاضطراب والتغير. على هذه الخلفية، ظلت الصين ومصر تساعدان بعضهما البعض وتتقدمان إلى الأمام يدا بيد، وصمدت العلاقات بين البلدين أمام تغيرات الأوضاع الدولية، وحققت قفزة كبيرة بفضل الإرشاد الاستراتيجي للرئيس شي جين بينغ والرئيس عبدالفتاح السيسي، وأصبحت الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين جيدة بكل معنى الكلمة. خاصة في السنوات الثلاث الماضية، تضامن البلدان في مكافحة الجائحة، الأمر الذي يثري مقومات هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة. تربط بين البلدين الثقة الاستراتيجية المتبادلة، ويتبادل البلدان الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والانشغالات الكبرى للجانب الآخر، كما يمتلك البلدان الرؤى المتشابهة والمواقف المتطابقة من الشؤون الدولية، الأمر الذي يتطلب من الجانبين تعزيز التعاون الوثيق للحفاظ سويا على الأحكام الأساسية للعلاقات الدولية والدفاع عن التعددية الحقيقية وصون العدالة والإنصاف الدوليين ودفع النظام الدولي نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا.