شارك الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر ،نيابة عن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بدعوةٍ كريمةٍ من وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور رضا حجازي، في احتفالية اليوم العربي لمحو الأمية، التي عقدت تحت عنوان: «قضايا المناخ والبيئة كمدخل في تعليم الكبار في الوطن العربي» وبحضور الدكتور محمد ناصف رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة لتعليم الكبار، والدكتور خالد عرفان عميد كليه التربية جامعة الأزهر بالقاهرة، ومسئول ملف محو الأمية بقطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة بجامعة الأزهر.
وفي بداية كلمته نقل رئيس جامعة الأزهر للحضور جميعًا تحيات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وأشار إلى دعم مؤسسة الأزهر الشريف لجهود الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، فما تقوم به واجب ديني ووطني، فهي تسعى للنهوض بالأمة والارتقاء بالوطن، وقد كان الأزهر منذ أكثر من ألف وثمانين عامًا هو المعلم الذي لولاه لم يبق بها رجل يقرأ أو يدري الكتاب.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن جامعة الأزهر بتوجيهات كريمة من فضيلة الإمام الأكبر، قامت بجهد كبير في مجال محو الأمية؛ بتوقيع بروتوكول تعاون بين جامعة الأزهر والهيئة العامة لتعليم الكبار ووزارة التضامن الاجتماعي عام 2014م وتم تجديده عام 2019م، وتم محو أمية مائة وتسعة آلاف أمي منذ توقيع البروتوكول، وأصدرت الجامعة في سنة 2020م قرارها بضرورة قيام كل دارسٍ بمحو أمية فردٍ سنويًّا، وفازت الجامعة في دورتي: يوليو وأكتوبر 2022م بالمركز الأول في محو الأمية على مستوى الجامعات المصرية، ونظمت الجامعة نحو ثمانية آلاف ندوة على مستوى جميع الكليات التي بلغ عددها تسعين كلية وذلك على مدار ثماني سنوات، وعقدت دورات لأكثر من 200 عضو هيئة تدريس بالجامعة؛ لتدريبهم على المهارات اللازمة للقيام بالدور الفعال في محو الأمية، كما عقدت دورات توعوية وتدريبية للطلاب؛ لتوعيتهم بأهمية هذا الملف من الناحيتين: الدينية والوطنية، وقد شارك رئيس الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار في هذه الدورات التي عقدت في الجامعة وبخاصة في القاهرة.
وأعلن رئيس جامعة الأزهر أن الخطة المستقبلية للجامعة في هذا الملف تتضمن إنشاء مركز لمحو الأمية وتعليم الكبار ، كما أطلقت الجامعة عدة مبادرات مهمة في هذا الصدد، منها مبادرة: «اقرأ» التي سيتم التنسيق فيها بين جامعة الأزهر والأروقة التابعة للأزهر الشريف في جميع المحافظات والمراكز والقرى على امتداد رقعة الوطن الحبيب، ومنها: مبادرة «تعلم واكسب»، وتسعى للجمع بين تعليم القراءة والكتابة وتعليم مهنة أو حرفة يعيش منها المتدرب.
وأشار رئيس جامعة الأزهر إلى عدة رسائل من مؤسسة الأزهر الشريف، من بينها:
الرسالة الأولى: أن القراءة هي مفتاح العلم والمعرفة؛ ولعظيم مكانتها وأهميتها قدمها القرآن الكريم على خلق الإنسان، كما ذكرها أيضًا بعد خلق الإنسان، فقال جل وعلا: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ (سورة العلق)؛ ليجعل الإنسان القراءة هي المبتدأ والمنتهى «مع المحبرة إلى المقبرة»، وليقول لنا هذا النظم الشريف: يا من خلقك ووجودك بين قراءة وقراءة لا تعش جاهلًا، وقد قرر القرآن الكريم الإشارة إلى هذا المعنى في سورة الرحمن، فقال جل وعلا: ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾[الرحمن: 1 – 4] فذكر سبحانه خلق الإنسان بين تعليمه القرآن وتعليمه البيان؛ وجعل هذا التعليم نعمة لا تقل عن نعمة خلق الإنسان وإيجاده من العدم.
الرسالة الثانية: أن سورة العلق بدأت بالأمر بالقراءة في قوله تعالى: ﴿اقرأ﴾ وانتهت بالأمر بالسجود والقرب في قوله تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾؛ للتنبيه على أن أعلى درجات القراءة وأحلاها وأغلاها هي التي تقرب القارئ من الله -جل وعلا- فيسجد في محراب المعرفة أيًّا كان نوعها، ويسخر القراءة في خدمة البشرية؛ فتلك هي القراءة النبيلة النافعة للقارئ وللحياة، أما القراءة التي تسخر المعرفة لتدمير البشرية وإبادة الشعوب وإهلاك الحرث والنسل فتلك القراءة المذمومة للقارئ وللحياة، وكم من معرفة كانت أداة للدمار الشامل لشعوبٍ بأكملها.
الرسالة الثالثة: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل تعليم القراءة والكتابة مساويًا للحياة وثمنًا لها، وذلك حين جعل فداء الأسير من كفار قريش يوم بدر أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة؛ فكان هذا التعليم فداء للأسير من القتل؛ وواهبًا له حياة البدن؛ لأنه وهب لغيره حياة القراءة.
الرسالة الرابعة: ضرورة حث أولياء الأمور على تعليم أبنائهم من البداية حتى لا يتركوهم أميين يحتاجون إلى من يمحو عنهم الأمية؛ فإن الوقاية خير من العلاج، وقديما قال زياد بن أبيه: «ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع، ولكن العاقل الذي يحتال للأمر أن لا يقع»، وجرعات التطعيم للأطفال في الصغر تقضي على الأمراض الفتاكة التي تفتك بهم في الصغر وفي الكبر، فليكن حرص الآباء على تعليم أبنائهم منذ الصغر؛ تحصينًا لهم وحماية من الأمية في الصغر والكبر.
الرسالة الخامسة والأخيرة: أن محو الأمية وسيلة للارتقاءِ بالنفس الإنسانية، والسعيِ نحو مجتمع أفضل، ونحو عالم أفضل، يراعي حق الضعيف ويعطيه الأولية؛ ولذا قال سيدُنا أبو بكر الصدِّيق -رضي الله تعالى عنه- في خطبته يوم تَوَلَّى خلافةَ المسلمين: «الضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ لَهُ حَقَّهُ، وَالْقَوِيُّ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ»، وبدأ -رضي الله عنه- بالضعيف، وقَدَّمَهُ على القَوِيِّ؛ للإعلام بأنه موضعُ العناية، وأن كل مسئولٍ ينبغي أن يبدأ بالضعيف؛ لأنه هو الجانب المكسور في المجتمع، وإنَّ أُمَّةً يتقدم ضعفاؤها الأولوية في التعليم والاقتصاد والصحة، أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ.