قال الدكتور نظير عيّاد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الحديث عن قضية التغيرات المناخية يعد من أوجب الواجبات في هذه الآونة التي تسعى فيها الدولة المصرية إلى الجمهورية الجديدة والتنمية المستدامة، خصوصًا وأن التغيرات المناخية تؤثر على التنمية المستدامة وحركة البناء وعلى البيئات والأوطان.
أضاف الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية على هامش ملتقى جامعة العريش بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية بعنوان: (التغيرات المناخية _ الفرص والتحديات)، أن هذا ما بيّنته الشرائع السماوية، ومن ثم فالناظر إلى الشرائع السماوية من لدن سيدنا آدم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يجد أن الشرائع السماوية اتفقت فيما بينها على حقيقة مهمة هي: أن الدين ما جاء إلا ليحقق الخير للعباد في الدين والدنيا والآخرة، وبالتالي فأي سلوك متناقض أو فعل شاذ أو أي عمل غريب لا يُنسب إلى الدين، وإنما ينسب لمن قام بالفعل أو السلوك.
وتابع الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية قائلًا: إذا ما أردنا أن نطبق ذلك على قضية التغيرات المناخية، فقد ننظر إلى الكون على أنه ملك للإنسان وهذه فكرة ليست صائبة، فالكون ملك لله تعالى إلا أن الله تبارك وتعالى بمقتضى أنه خلق الإنسان وكرمّه وجعله سيدًا على جميع المخلوقات أوكل الله إليه مهمة خاصة لا يمكن أن يقوم بها إلا الإنسان إذ زوده الله تعالى بوحي ظاهر ووحي باطن، فالوحي الظاهر هو الرسول الذي يدعو الناس إلى الحق وإلى الخير وإلى الصواب، وبما يحقق المهمة التي خلق الله الإنسان لأجلها، وهذه المهمة هي قضية الاستخلاف؛ قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”، وهذا الاستخلاف ليس صلاة وصيامًا، فحسب وإنما العبادة يدخل فيها العمران سواء يعود هذا العمران على أثر شخصي من إجراء تنفيذ العبادات المفروضة أو المحافظة على الكون للأجيال اللاحقة وفق ما استلمه الإنسان اللاحق عن السابق.
وأما ما يتعلق بالوحي الباطن فهو العقل، فالله تعالى جعل الإنسان سيدًا بتزويده بالرسل والكتب وكذلك بنعمة العقل والتي بها ومن خلالها يكون التفكير المنظم والعمل الجاد والرؤية الواضحة والبصيرة الراقية التي تضع الأمور في موضعها.
وإذا ما أردنا أن ننظر إلى قضية المناخ من خلال الرؤية الدينية سوف نجد أن نصوص القرآن الكريم ومن قبلها نصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قد تواترت في هذا الجانب ويكفينا فقط أن ننظر إلى ما جاء في القرآن الكريم على أن التطاول على الكون أو التعرض إليه يعد لونًا من ألوان الإفساد المنهي عنه شرعًا ولذا قال تعالى: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا»، فلا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الحديث عن التغيرات المناخية ينبغي أن نربط بينه وبين قضية الاستخلاف فإذا كان الله تعالى أرسل الأنبياء والرسل بغية هداية الناس والأخذ بهم لتحقيق الصلاح لهم وبني الإنسانية بوجه عام سوف نجد أن قضية العمران لا تتحقق إلا من خلال الإنسان الذي يملك فكرًا مستقيمًا وعقلًا سويًا يستطيع من خلالهما أن يزن الأمور ويتعامل مع من يحيط به من مخلوقات وكائنات سواء وصفت بأنها حية أو جمادات بحيث يضع الأمور في نصابها، ولهذا كان أحرص ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه وجه الناس إلى ضرورة المحافظة على البيئة ومنع ما يفسد هذا فنهى صلى الله عليه وسلم عن التبول في الطرقات وفي الماء وقطع الأشجار، ومن بين وصاياه عدم التعرض للبيئة بأي أذى فعندما رأي قرية نمل أُحرقت قال: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» ففي هذا ما يدل على أن رسول الإنسانية كان أحرص ما يكون على المحافظة على البيئة وكل مكوناتها باعتبار أن كل عنصر يحفظ التوازن النسبي الذي بمقتضاه متى اختل البعض منه اختل التوازن الكوني فأدى ذلك إلى فساد البلاد وهلاك العباد، ومن ثم كانت هذه التوجيهات النبوية حتى أنه دعا إلى المحافظة والعمران حتى وإن قامت الساعة ففي الحديث: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».
وأضاف الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية قائلًا: إن الحديث عن التغيرات المناخية ينبغي أن ينظر إليه على أن التعامل مع عناصر البيئة من أوجب الواجبات، وأن الحديث عما يجب على الإنسان تجاه المحافظة على البيئة يعد فريضة حياتية ودينية ينبغي أن نقوم بها، ولهذا قام الأزهر الشريف على التوعية بهذا الجانب منذ أمد بعيد من خلال الملتقيات العلمية في الداخل والخارج من خلال فضيلة الإمام الأكبر، كذلك الإصدارات العلمية، والمبادرات التي قام بها مجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع مؤسسات الدولة مثل مناخنا حياتنا، بر الأمان، فيها الحياة، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.
وتابع الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية : كذلك قام مركز الأزهر العالمي للفلك وعلوم الفضاء من خلال ورش العمل وتدريب الوعاظ والواعظات من خلال هذا الجانب، كذلك تحقيق المخطوطات، فضلًا عن التعاون بين المؤسسات العلمية والبحثية للعمل على رفع الوعي من أجل تحقيق الصلاح للعباد والبلاد من خلال التنمية المستدامة.
وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إنه كذلك ترتبط التغيرات المناخية والمحافظة على البيئة بالمقاصد الشرعية، فعندما ننظر إلى المقاصد الكلية التي لا يمكن الانفصال عنها بحال من الأحوال، فإذا فُقدت جميعها أو واحد منها لا تقام الحياة بدونها وهي: الدين والعقل والنفس والمال والنسل، فهذه المقاصد يرتبط بها الحديث عن التغيرات المناخية ارتباطًا لا انفكاك فيه.
ولفت الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إلى أن الإنسان منّا عندما ينظر إلى البيئة يجد أنهارًا قد جفت وبحيرات اختفت، وأن بعض الجبال قد ذابت، كل ذلك بسبب فعل الإنسان نحو الطبيعة، مما يستنفز أموالًا تنفق ومشروعات تشيد في محاولة من الدول والحكومات تعمل على إعادة العلاقة الإيجابية بين الإنسان والبيئة وبين الإنسان والكون، فعلينا جميعًا أن نتحمل المسؤولية وفق ما يحقق الخير للعباد والبلاد وذلك بالتعاون بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات.