ما قلت فى مقال سابق عن القيمة ” إن مدى الإحتياج للسلعة .. أى سلعة هو ما يحدد قيمتها أو ثمنها”، ومن ثم فكلما زاد الإحتياج لسلعة ما زادت بالتالى قيمتها و زاد ثمنها.
ولأن العملات المختلفة قد أصبحت أيضا فى هذا العصرنوعا من السلع، لذا فإن قيمة أى منها أو ثمنها أصبح يتحدد بمدى الحاجة إليها. و هاهى روسيا – كما توقعت فى ذلك المقال – تجنى ثمار قرارها بأن تبيع بترولها وغازها بالروبل وليس بالدولار أو اليورو، فكانت نتيجة ذلك القرار أن ارتفعت قيمة “الروبل ” أمام الدولار كما شاءت روسيا رغم أنف الجميع.
فبعد أن كان الدولار يساوى أكثر من 150 روبل هبطت قيمته الآن لأقل من 70 روبل نتيجة للقرارالذى استهدف الحفاظ على القيمة التى تراها روسيا لعملتها، ومن ثم ترفع القوة الشرائية لها عند مواطنيها بما يترتب على ذلك من تحسن لمعيشتهم ولحياتهم، بينما تتراجع قيمة الدولار واليورو عند من يتعاملون بهما أو يقتنوهما فى بلادها وفى غيرها من البلاد.
فى الوقت نفسه فإنها لم تفقد الدولار واليورو إن ظلت هناك حاجة ما لهما، إذ إشترطت على الدول التى تريد شراء بترولها و غازها أن تقوم باستبدال الدولار واليورو بالروبل من خلال البنوك الروسية الرسمية لتدفع قيمة ما تشتريه
ولقد نادى بعض الحكماء فى مصر أكثر من مرة منذ سنوات بعيدة – بمثل ما فعلته روسيا مؤخرا- وهو أن يكون سداد رسوم قناة السويس -قبل أن يكون لديناغاز وبترول- أو 50% منها -على الأقل – بالجنيه المصرى، على أن تقوم السفن العابرة والدول التى تشترى البترول والغازباستبدال الدولار و اليورو بالجنيه المصرى من البنوك المصرية بالسعر الذى يحدده العقلاء والحكماء المخلصين للجنيه المسكين، كيما يستعيد بعضا من قوته التى أهدرت على يد الفاسدين ودعاة الغلاء، أولئك الذين انطلقوا لنهب الوطن ونهب مواطنيه فى أعقاب الإنفلات الذى سمى إنفتاح، دون أن يجدوا من يسألهم أو يكبح جماح أطماعهم وينقذ الوطن من المنحدر الذى ساقوه إليه، ولم يدرك من بيدهم الأمر وقتها ولا بعدها أن الأسعارليست أمرا يسيرا يترك للمتاجرين والطامعين واللصوص، وخدعتهم الشعارات التى يطلقونها لتبرير مايفعلون مثل حرية السوق و العرض والطلب الخ …، بينما هى فى الحقيقة قضية أمن قومى وتهديد للسلم الإجتماعى، فضلا عما تتسبب فيه من إهدار لقيمة الجنيه ليس لدى الناس فى مصرفحسب وإنما أيضا أمام العملات الأجنبية التى لم تكن لها قيمة أمام الجنيه من قبل، ولم يروا أن الأسعار فى كثير من دول العالم المحترمة لم تكن تتحرك بمثل البشاعة التى تحركت بها فى مصر.
ولم تأت الزيادات البشعة فى الأسعار من التجار والحرفيين والمهنيين والمجرمين فقط ولكن جاءت أيضا من الحكومات التى زادت الإتاوات والرسوم وأسعار الأراضى وغيرها، وخصوصا بعد هيجان الشعب فى يناير 1977 الذى جعلهم يقررون بعده فرض ما يريدون من زيادات مضاعفة دون إعلان حتى يتجنبوا مثل ذلك الهيجان مرة أخرى. فكان ذلك بمثابة ضوء أخضر لكل المتاجرين بمصالح الشعب وبحياة أبنائه ليزداد غيهم وتزداد ثرواتهم القذره.
إلا أن أحدا ممن بيدهم الأمر من الجهابذة عجزوا عن إدراك ما طالب به الحكماء لإنقاذ الوطن وإنقاذ عملته التى هى جزء من قيمته فكان ما كان، وانخفضت قيمة الجنيه بأكثر من ثمانية آلاف مرة خلال الأعوام منذ ثورة 52 وحتى الآن، حيث كانت قيمة الجنيه قبلها أعلى من قيمة الجنيه الذهب الذى كان سعره وقتها نحو 97 قرشا بينما أصبح سعره الآن يقترب من ثمانية ألف جنيه نتيجة للجهل والفساد، فى الوقت لم يزد دخل المواطن البسيط والأمين بأى قدر من تلك الزياده، ومن ثم إنخفض مستوى معيشته ولم يرتفع كما تقول الأبواق.
وإن كان لنا أن نتعلم من هذا فهو أن لا تكون مصائر الشعوب والقرارات المصيرية بيد فرد أو أفراد أيا ما كانت مواقعهم، فإنهم يذهبون إلى باطن الأرض بينما تظل نتائج قرارا تهم نارا تأكل شعوبهم إلى ما شاء الله. ولنا فيما يحدث فى أوكرانيا العبرة والدليل، ناهيك عما تسبب فيه الرئيس الأمريكى الموتور” بوش” وشريكه رئيس الوزراء البريطانى ” بلير” من خراب فى العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان وغيرها، وما تسبب فيه قبلهم من كوارث للعالم هتلر و موسولينى ولينين وبلفور وغيرهم.