زمان.. كان القطن المصرى هو المحصول الرئيسى فى مصر، وكان يسمى بالذهب الأبيض لأهميته وقيمته فى الاقتصاد المصرى وفى حياة المصريين، وكانت كثير من دول العالم تتهافت على شرائه.
كانت مداخن المحالج -التى نزح اليونانيون من بلادهم ليقيموها بمصر- ترتفع سامقة كالمآذن فى سماء الوطن، مطلقة صفيرها كالأذان مع مولد النهار وفبل أن تبزغ شمسه- فى موسم الحليج- لتوقظ أبناء القرى المحيطة بالمحلج.. فيسعون إليه كالحجيج-شبابا ورجالا ونساءا وصبيه- فى موجات تسابق بعضها ليستأنفوا عمل الأمس فى منظومة حلج القطن، وكل منهم يحمل حلما يرجو أن يحققه فى نهاية الموسم.
فقد كان ذلك الموسم مناسبة ذات قدر عظيم من الأهمية فى القرية المصرية على وجه الخصوص.. كانت بمثابة عيد ترتبط به الكثير من المشروعات والمناسبات الأسرية لدى الفلاح المصرى فى ذلك الزمان، فتؤقت به الزيجات، وتجهيز الشباب والبنات، وسداد الديون وشراء الاحتياجات و ترى فيه الفتيات سبيلا لشراء قطعة مصاغ تتزين بها أو تدخر فيها حصيلة عملها.
وفجأة حلت الكارثة بمحصول القطن، وانحسرت زراعته لتتقلص ثروة الوطن منه، وتختفى تلك المناسبة الهامة لدى القرية المصرية، ويخبو كل ما كان يرتبط بها من مشاريع وأحلام، وتصمت أغاريد العرس التى كانت تواكبه، وتسود البطالة فى الريف المصري، وينشغل الفلاح مرغما بالسهر أمام البرامج والمسلسلات، التى يراد به إفساده كما أفسدوا حياة كل المصريين ..
ترى من المستفيد من خسارة ذلك المحصول الرئيسى، ومن الذى استفاد من تخريب المحالج والاستيلاء على مساحات أرضها الشاسعة دون أن تحرك الحكومة ساكنا بدلا من أن تعمل على إعادة بناء وتطوير تلك المحالج ؟؟.