لا شك أن ما يحدد قيمة أي شيء هي مدى الحاجة إليه، ولعل هذا ما أدركته روسيا مؤخرا، وما أدركته الصين قبلها منذ بضعة سنوات، حين قررتا أن يكون التعامل معهما بعملاتهما المحلية بدلا من الدولار واليورو.
فلقد قررت روسيا خلال الأيام الماضية بيع البترول والغاز -اللذان تحتاجهما منها الدول الأوروبية- بالروبل الروسي وليس بالدولار واليورو، وهو ما أربك تلك الدول وما سيجعلها تسعى للحصول على ذلك الروبل بأية طريقه حتى تستطيع توفير الطاقة لشعوبها، وهو ما سيؤدى إلى رفع قيمة العملة الروسية التي كانت قد تأثرت سلبا بالحرب الروسية على أوكرانيا.
فهكذا قد خلقت روسيا بقرارها الحاجة لعملتها، وهو ما سيؤدى بالتالي إلى الحفاظ على القوة الشرائية للروبل أو يزيدها عند الشعب الروسي، وهو ما حدث عند الشعب الصيني من قبل حين قررت الحكومة الصينية سداد قيمة منتجاتها بعملتها (الإيوان). فكلتا الدولتين قد خلقتا حاجة لعملتيهما ومن ثم فهما من حددا القيمة لها، لينعكس ذلك على القوة الشرائية لها عند شعوبهما بدلا من أن تنخفض قوتهما وقيمتهما لديهم فتزيد الفقراء فقرا وتضاعف من ثروة من يملكون الدولار واليورو. ولو لم تفعل كلاهما ذلك لتراجعت قيمة عملتيهما ولأثر ذلك تأثيرا سلبيا على حياة شعوبهما نتيجة انخفاض قيمة العملة.
لا شك أن من كانوا وراء تعويم الجنيه من المسئولين يمكن أن يكون لديهم المبرر لذلك القرار، ولكن تظل هناك حقيقة أن من استفاد من تعويم الجنيه هم أصحاب المليارات من الدولارات واليورو وغيرهم -الذين تضاعفت ثرواتهم دون أي عناء عدة مرات نتيجة كل التعويمات السابقة واللاحقة- دون أن تحصل منهم الدولة على أي مقابل لتلك الزيادات الرهيبة في ثرواتهم، في الوقت الذي انخفضت فيه قيمة ما يملكه الفقراء من الجنيه الذي لا يملكون سواه عدة مرات أيضا ليزدادوا فقرا مع كل تعويم أو خفض لقيمة جنيههم المسكين.
وهنا يطل سؤال طرح مرات من قبل: ألا تملك مصر ما يجعلها تطلب المقابل له بالجنيه حتى تخلق الحاجة له ومن ثم ترفع قيمته إلى القيمة التي تراها له، وتحفظ قوته لدى فقرائها؟